للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنبات الحي فتزدردونها كلها ازدراد، أفترون الشعرة في أعين الناس ولا ترون الخشبة في عيونكم، على أنه مقدار حقير ذلك الذي نمتصه في الوجبة الواحدة ولسنا نطعم غير وجبتين في اليوم، لنا في الطعام ذوق الأعزة الكرام، فنحن نعاف دم المريض ونتقزز من أجسام الموتى فنفارقها مع الحياة.

واحتقرتمونا لصغر أجسامنا وكبر أجسامكم فإن فاتنا الجرم الكبير فقد أصبنا العدد الكثير، فالأنثى منا لا تبلغ اليوم الثامن بعد أفراخها حتى تلد ثم تلد ثم تلد، وهي لا تلد واحداً أو اثنين في العام كما تلدون وإنما تبيض في المرعى الخصيب عشراً كل يوم، فإن عاشت الأنثى أربعة أسابيع فقد تبيض مائتين من الصئبان، وإن امتد بها العمر إلى أرذله فعاشت ستة أسابيع فقد تبيض ثلاثمائة بيضة، والبيضة من بيضاتها تلبث السبعة الأيام أو الثمانية ثم تفرخ، فانظر إلى العدد الكبير من الخلف الصالح الذي تخلفه الأنثى منا قبل مفارقتها هذه الحياة الفانية. أنا بالطبع أنثى شيخة أكاد أستكمل الثلاثين ربيعا، وما ربائعنا إلا أياما، نسلت من الأبناء والأحفاد ما نسلت، ولكني انسل ولا أتعهد نسلي، وكل ما أفعله أن أتخير لهم الموضع الأمين، فأنا أبيضهم على كل شعار خشن ألقاه، وأبيضهم على فتائل الملابس ولا سيما حيث يخاط اللفاق باللفاق، ليكون لهم معتمد عليها وفي دروءها ستر من عصف الزمان. وأبيضهم على الأشعرة دون الأدثرة حتى إذا أفرخوا كانوا من طعامهم قاب خطوات من خطواتنا، ومن الدفء اللازم لأفراخهم على بعد قامة من قاماتنا، فنحن مثلكم حاجتنا للدفء لا تقل عن حاجتنا للطعام، وأوفق الحرارة التي نبيض فيها هي ما دون حرارتكم بدرجتين، والدرجات التي تعلو على الستين تهلك بيضنا، والدرجات الواطئة تعطل أفراخه، فإذا هبطت إلى ما دون ألـ ٢٢ درجة امتنع أفراخه بتاتا.

وسواء ارتفعت الحرارة أو انخفضت فبيضنا لا صبر له على البعد عن أجسامكم طويلا، فإن رمى به الحظ العاثر إلى ملابس خلعتموها يصابر شهراً وبعض شهر رجاء أن تعودوا فتلبسوها ويعود هو إلى أفراخه، فان لم تفعلوا فالويل لذرارينا فانهم يهلكون يا كبدي ولم ينعموا بخطوة واحدة على جلدكم الوطيء ولم يستمتعوا بقطرة من شرابكم المريء.

وللفرد منكم معشر البشر عمر طويل موفور، وللفرد منا معشر القمل عمر قصير منقوص، الا أن حظنا من الزمن مجموعين مثل حظكم ونصيبنا من قديمه وحديثه مثل نصيبكم،

<<  <  ج:
ص:  >  >>