للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفرد) التي قال بها (ديموقريط) و (أبييقور) تتصل إلى حد ما بتلك النظرية التي وردت على السنة علماء التوحيد المسلمين. ومذهب الرواقيين المادي اثر تأثيراً غير قابل للإنكار في جماعة المعتزلة، ونخص بالذكر منهم (النظام) الذي اعتنق نظريات ذات أصل رواقي واضح، وان من يقرأ آراءه في (الكمون) لا يشك مطلقاً في أنه تأثر فيها بما جاء به الرواقيون من قبل. وقد أخذ علماء الكلام بوجه عام عن اللاأدرية الإغريقيين كثيراً من أفكارهم، وخاصة ما اتصل منها بنقد (أرسطو) ونظرياته. ونرى في كتب التراجم العربية ملخصات قصيرة عن حياة (تاليس) و (فيثاغورس) و (أبخزاجور) و (أمييدوقل)، وفي كتاب الملل والنحل (للشهرستاني) أحسن أنموذج لهذه الملخصات. بيد أن هذه المعلومات في جملتها ناقصة وغير صحيحة أحياناً؛ ولا يبدو على مفكري الإسلام أنهم كونوا رأياً ناضجاً عن هذه المذاهب الفلسفية المختلفة. (فالشهرستاني) نفسه يخلط مذهب (فيثاغورس) بمذهب (أفلاطون)، ويعزو إلى أصحاب الرواق بعض نظريات مدرسة الإسكندرية. وإذا استثنينا (أفلاطون) و (أرسطو) نجد أن المسلمين لم يعرفوا فلاسفة الإغريق إلا عن طريق غير مباشر، وفي ثنايا كتب (بلوتارك) و (جالينوس) و (بورفيد) التاريخية

لم يترجم العرب حقيقة من كتب الإغريق الفلسفية إلا مؤلفات (أفلاطون) و (أرسطو) وشراح الأخير وتلاميذه. فأما (أفلاطون) فقد ترجمت محاوراته الهامة، وعلى رأسها: الجمهورية والنواميس وطبماوس والسوفيسط وبوليطيقي وفادن ودفاع سقراط ' فباطل إذن ما يقال من أن العالم العربي لم يعرف (أفلاطون) إلا معرفة ناقصة أو خاطئة. والواقع يثبت، على العكس من ذلك، أن (مؤسس الأكاديمية) استطاع بفضل نظرياته ومذهبه الروحي أن ينفذ إلى قلوب المتصوفة والمتكلمين والفلاسفة من علماء الإسلام، وقد بينا في بحث لنا أن (الفارابي) في محاولته التوفيق بين (أفلاطون) و (أرسطو) اعتمد على أربع محاورات هامة من مؤلفات الأول: فادن، بوليطقي، الجمهورية، وطيماوس، كما بينا إنه اصدر عنها واستشهد ببعض ما جاء فيها بشكل لا يدع جالاً للشك في أنه قرأها قراءة روية وتدبر. وفي هذا ما يؤيد فلاسفة الإسلام درسوا (أفلاطون) دراسة مباشرة وفي كتبه التي نقلت إلى العربية غير أن هؤلاء الفلاسفة لم يعنوا (بمؤسس الأكاديمية) عنايتهم (بأستاذ الليسيه) ولم ينل (أفلاطون) لديهم الخطوة التي نالها تلميذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>