للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خالصة فعرض لها صاحبها، فقال له الخدم اتبعنا فتبعهم؛ ثم مرت عتبة فعرض لها أبو العتاهية، فقال له الخدم اتبعنا فتبعهم؛ فمضت به إلى منزل خليط لها بزاز، فلما جلست دعت به فقالت له: يا هذا إنك شاب وأرى لك أدباً، وأنا حرمة خليفة، وقد تأنيتك فأن أنت كففت وإلا أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين ثم لم آمن عليك. فقال لها: فافعلي بأبي أنت وأمي، فإنك إن سفكت دمي أرحتني، فأسألك بالله إلا فعلت ذلك إذ لم يكن لي فيك نصيب، فأما الحبس والحياة ولا أراك فأنت في حرج من ذلك. فقالت: لا تفعل يا هذا وأبق على نفسك، وخذ هذه الخمسمائة الدينار وأخرج عن هذا البلد. فلما سمع ذكر المال ولى هارباً. فقالت ردوه، وألحت عليه فيها فقال: جعلت فداك ما أصنع بعرض من الدنيا وأنا لا أراك، وإنك لتبطئين يوماً واحداً من الركوب فتضيق بي الأرض بما رحبت. فزادت له ذلك إلى ألف دينار، فجاذبها مجاذبة شديدة، وقال لها: لو أعطيتني جميع ما يحويه الخليفة ما كانت لي فيه حاجة، وأنا لا أراك بعد أن أجد السبيل إلى رؤيتك. ثم خرج فجاء الغرفة التي كانوا ينزلونها فإذا صاحبه مورم الأذنين، وقد أمتحن بمثل محنته، فلما مد يده إلى المال صفعوه، وحلفت خالصة لئن رأته بعد ذلك لتودعنه الحبس، فأستشار أبا العتاهية في المقام فقال له: اخرج وإياك أن تقدر عليك

ثم التقتا فأخبرت كل واحدة صاحبتها الخبر وأحمدت عتبة أبا العتاهية، وصح عندها أنه محب محق. فلما كان بعد أيام دعته إليها وقالت له: بحياتي عليك - إن كنت تعزها - إلا أخذت ما يعطيك الخادم فأصلحت به من شأنك، فقد غمني سوء حالك، فأمتنع أبو العتاهية من ذلك؛ فقالت له: ليس هذا مما تظن، ولكني لا أحب أن أراك في هذا الزي، فقال لها: لو أمكنني أن تريني في زي المهدي لفعلت ذلك، ثم أقسمت عليه فأخذ الصرة فإذا فيها ثلاثمائة دينار، فاكتسى كسوة حسنة، وأشترى حماراً يركبه، وحسن بها حاله

وهذه الرواية تعطينا أن أبا العتاهية كان صادقاَ في حب عتبة التي شبب بها في شعره، وتوله بها فيه إلى أن اقلع عن ذلك فيما سيأتي من نسكه، وربما يكون ذلك كله حسن حيلة منه، وهو ما كان يراه فيه ابنه عتاهية، وقد روي عنه أن أباه إنما أقبل إلى بغداد ليمدح المهدي، ويجتهد في الوصول إليه، فلما تطاولت أيامه أحب أن يشهر نفسه بأمر يصل به إليه، فلما بصر بعتبة راكبة في جمع من الخدم، تتصرف في حوائج الخلافة تعرض لها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>