للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الألمان

لقد شغل الباحثون بالخرافة منذ زمن بعيد؛ فبينوا مضارها السياسية والدينية والاجتماعية، وعملوا على إحصاء الخرافات المتعددة وإثباتها في قواميس خاصة (نذكر من بينها: وتقسيمها إلى فصول وأنواع مختلفة. ومن أقدم من كتب في هذا الباب؛ لكريس + ٥١ - وفلوطرخس + ١٢٥ والأخير بوجه خاص هو أول باحث درس الخرافة في شيء من التوسعة ونقدها نقدا مرا؛ وربما كان متأثرا في ذلك بما ساد عصره من خرافات لا حصر لها إلا أن الفضل في دراسة الخرافة دراسة علمية منظمة يرجع إلى علماء الاجتماع المحدثين الذين تولوها بالشرح والتحليل. فبحثوا عن أصلها، وسبيل انتشارها، وأثرها في المجتمع، وطريق علاجها. وكان لهم في ذلك مؤلفات قيمة جذابة نخص بالذكر منها كتاب فريزر الذي سنعرض له بالتفصيل في فرصة مقبلة إن شاء الله.

إذا تصفحنا التاريخ وجدنا الإنسانية نشأت حاملة معها خرافاتها. فالأمم المتوحشة الأولى خضعت للخرافة خضوعها لدين ثابت وأصل مقرر؛ ولا زلنا نرى أثر هذا الخضوع لدى القبائل الهمجية المعاصرة. وإذا جاوزنا هذه الأمم إلى الشعوب التي أخذت من الحضارة بنصيب، لاحظنا أنها تعلقت بقسط وافر من الأوهام والخزعبلات. وخرافات قدماء المصريين أعرف من أن ينوه عنها. والإغريق الذين بهروا العالم بعلمهم وثقافتهم لم يكونوا أقل اعتناقا للخرافة من غيرهم، وتاريخهم الديني مجموعة خرافات سخر منها فلاسفتهم غير مرة. وربما كان اللاأدريون من أول من رفع الصوت جهرة في وجه الخرافة والانقياد الأعمى، ودعا إلى تحرير الفكر الإنساني. كذلك حاربت الديانات السماوية بعض الخرافات وقضت عليها. غير أن رجال القرون الوسطى عادوا - تحت تأثير الجهل وعاطفة دينية عمياء - فارتطموا في بؤرة الخرافة، وتفننوا فيها أيما تفنن. ثم جاء عصر النهضة والإصلاح الديني فسلكا بالعقل الإنساني مسلكا جديدا وآثارا على الخرافة حربا شعواء. ولا تزال العلوم الحديثة تنكل بها يوما بعد يوم، وتطاردها في كل مكان.

والآن يحق لنا أن نتساءل هل الخرافة في سبيل الانقراض؟ وهل تأمل الإنسانية أن تتخلص منها بتاتا؟ ليس بيسير أن نجيب إجابة شافية على السؤال الأول، فإن الإحصاءات في هذا الميدان ناقصة وغير دقيقة؛ والخرافة، وقد تمكنت من نفوسنا وأضحت جزءا من

<<  <  ج:
ص:  >  >>