للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الزوجية المتعاقبة. وقد تردد الدوق وولده في قبول هذه المصاهرة بادئ بدء لما يعلمانه من غدر البابا وولده، وما توصم به لوكريسيا من شنيع التهم؛ ولكن سفراء فيرارا قدموا عن لوكريسيا تقارير حسنة وصفت فيها بالحشمة والتواضع والتحفظ وبأنها ضحوك يغلب عليها المرح. وتمت الصفقة على أن يدفع البابا لابنته مهراً قدره أربعون ألف دوقة، وأن يتنازل لدوق فيرارا عن بعض الحصون والجهات، وأن يخفظ إتاوته للكنيسة إلى أدنى حد. وتم العقد في فيرارا في أول سبتمبر سنة ١٥٠١؛ وفي اليوم الخامس احتفل البابا بإشهار زواج ابنته في كنيسة القديس بطرس احتفالاً شائقاً

وفي أواخر ديسمبر قدم وفد حافل من أمراء فيرارا وأعيانها وعلى رأسه فرديناند ديستي أخو الزوج لينوب عنه في استقدام زوجه، وشهدت رومة مدى أيام سلسلة من الحفلات والمأدب الباذخ والليالي الساطعة المرحة؛ وفي السادس من يناير (سنة ١٥٠٢) أجريت مراسيم الوداع؛ وغادرت لوكريسيا رومة في ركب فخم من الأمراء والفرسان إلى وطنها الجديد فيرارا فوصلت إليها في الثاني من فبراير بعد رحلة باهرة، واستقبلت بأعظم مظاهر الفخامة والتكريم

وكان مقامها الجديد في قصر قاتم موحش لا يتناسب مع مقامها الفخم في رومة، ولكنها اعتادت حياتها الجديدة بسرعة، وعاشت في هدوء وبساطة، ولم تفقد شيئاً من مرحها وبهجتها؛ وكان هذا المرح الفياض يسحر أهل فيرارا ويجذبهم إليها، وكان زوجها الفونسو ديستي فتى متين الخلق والخلال كثير الخطورة والجد، يؤثر الاهتمام بالشؤون الحربية، ولكن رقيق الشمائل وافر الثقافة، يعشق الفن ويحميه؛ وكانت لوكريسيا تعيش معه في وفاق، يحيط بها حب الأسرة الجديدة واحترامها

بيد أن هذه الحياة الهادئة كانت تكدرها عن بعد مشاريع شيزاري وأعماله؛ وكان شيزاري يومئذ يخترق أواسط إيطاليا بجيشه، ويمزق العدو والصديق معاً، ويحاول بتلك الوسائل الدموية الغادرة، التي أثارت إعجاب مكيافيللي وجعلته يعتبر شيزاري مثله الأعلى للأمير البارع - أن ينشئ مملكة رومانية كبرى؛ وكانت لوكريسيا تقاسي في عزلتها من التبعة المعنوية التي تلحقها من جراء هذه المشاريع والأعمال المثيرة

ثم نزل بها مصاب فادح، ذلك أن ولدها رودريجو الذي كان يربى في بابل في أسرة أبيه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>