للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا شهادات هي مكافأة الحفظ وإجازة النسيان من بعد؛ أما علم السيما والروايات فيصنعن به تاريخهن. . ورب منظر يشهده في السيما ألف فتاة بمرة واحدة، فإذا استقر في وعيهن وطافت به الخواطر والأحلام - سلبهن القرار والوقار فمثلنه ألف مرة بألف طريقة في ألف حادثة!

يظنون أننا في زمن إزاحة العقبات النسائية واحدة بعد واحدة، من حرية المرأة وعلمها؛ أما أنا فأرى حرية المرأة وعلمها لا يوجدان إلا العقبات النسائية عقبة بعد عقبة. وقد كان عيب الجاهلة المقصورة في دارها أن الرجل يحتال عليها، فصار عيب المتعلمة المفتوح لها الباب أنها هي تحتال على الرجل؛ فمرة بإبداع الحيلة عليه، ومرة بتلقينه الحيلة عليها. والغريب في أمر هذا العلم أنه هو الذي جعل الفتاة تبدأ الطريق المجهول بجهل. . .!

قلت: وما الطريق المجهول؟

قال: الطريق المجهول هو الرجل. وإطلاق الحرية للفتاة أطلق ثلاث حريات: حرية الفتاة، وحرية الحب؛ والأخرى حرية الزواج. ولما انطلق ثلاثتهن معاً تغير ثلاثتهن جميعاً إلى فساد واختلال. أما الفتاة فكانت في الأكثر للزواج فعادت للزواج في الأقل، وفي الأكثر للهو والغزل؛ وكان لها في النفوس وقار ألام وحرمة الزوجة، فاجترا عليها الشبان اجتراءهم على الخليعة والساقطة؛ وكانت مقصورة لا تنال بعيب ولا يتوجه عليها ذم، فمشت إلى عيوبها بقدميها، ومشت أليها العيوب بأقدام كثيرة. . . وكانت بحملها امرأة واحدة، فعادت مما ترى وتعرف وتكابد كأن جسمها امرأة، وقلبها امرأة أخرى وأعصابها امرأة ثالثة. . .

وأما الحب، فكان حباً تتعزف به الرجولة إلى الأنوثة في قيود وشروط، فلما صار حراً بين الرجولة والأنوثة، انقلب حيلة تغتر بها أحدهما الأخرى؛ ومتى صار الأمر إلى قانون الحيلة فقد خرج من قانون الشرف وعاد هذا الشرف نفسه وليس إلا كلمة يحتال بها

وأما الزواج، فلما صار حراً جاء الفتاة بشبه الزوج لا بالزوج، وضعفت منزلته وقل اتفاقه وطال ارتقاب الفتيات له، فضعف أثره في النفس المؤنثة؛ وكانت لفظتا الشاب والزوج شيئاً واحداً عند الفتاة وبمعنى واحد، فأصبحتا كلمتين متميزتين، في أحدهما القوة والكثرة والسهولة، وفي الأخرى الضعف والقلة والتعذر؛ فالكل شبان وقليل منهم الأزواج. وبهذا اصبح تأثير الشاب على الفتاة أقوى من تأثير الشرف، وعاد يقنعها منه أخس براهينه، لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>