للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجمال، وجاءت كبريائي فجلست معنا. . . وكانت (التقاليد) كالحاشية لي، فعلمت بعد أنها قالت لصاحبة لها: (لا أدري كيف استطاع أن ينسى جسمي وأنا ألي جانبه اذكره أني ألي جانبه! لكأنما كانت لقلبه أبواب يفتح ما شاء منها ويغلق)

قال محدثي: فهذا هذا؛ إن إحساس المرأة بالعالم وما فيه من حقائق الجمال والسرور، إنما هو في إحساسها بالرجل الذي اختارته لقلبها، أو تهم أن تختاره، أو تود أن تختاره؛ ثم إحساسها بعد ذلك بالصور الأخرى من رجلها في أولادها. وحياة المرأة لا أسرار فيها البتة حتى إذا دخلها الرجل عرفت بذلك أن فيها أسرارا، وتبينت أن هذا الجسم الأخر هو فلسفة عميقة لجسمها وعقلها

قال: وقد جلست مرة مع صاحب القصة، وأنا مغضب أو كالمغضب. . ثم تلاحينا وطال بيننا التلاحي؛ فقالت لي: أنت بجانبي وأنا أسال: أين أنت؟ فإنك لست كلك بجانبي!

قال: ومذهبي في الحب، الكبرياء، كما قلت أنت، غير أنها الكبرياء التي تدرك المرأة منها أني قوي لا أنا متكبر، كبرياء الرجل إما مهيب مرح يملك أفراح قلبها، وأما حزين مهيب يملك أحزان هذا القلب. إن المرأة لا تحب إلا رجلا يكون أول الحسن فيه حسن فهمها له، وأول القوة فيه قوة إعجابها به، وأول الكبرياء فيه كبرياءها هي بحبه وكبرياءها بأنه رجل. هذا هو الذي يجتمع فيه للمرأة اثنان: إنسانها الظريف، ووحشها الظريف!

قلت: لقد بعدنا عن القصة، فما كان خبر صاحبتك تلك؟ قال: كانت صاحبتي تلك تعلم أني متزوج، ولكن إحدى صديقاتها أنبأتها بكبريائي في الحب، ووصفتني لها صفة الإحساس لا وصف الكلام؛ فكأنما تنبهت فيها طبيعة زهوة الفتاة بأنها فتاة وغريزة افتتان الأنثى بأن تكون فاتنة؛ فرأت في إخضاعي لجمالها عملاً تعمله بجمالها.

ومتى كانت الفتاة مستخفة (بالتقاليد) كهذه الأديبة المتعلمة - رأت كلمة (الزوج) لفظاً على رجل كلفظ الحب عليه، فهما سواء عندها في المعنى، ولا يختلفان إلا في (التقاليد). .

وعرضت لي كما يعرض المصارع للمصارع؛ إذ كانت من الفتيات المغرورات اللواتي يحسبن أن في قوتهن العلمية تياراً زاخراً لنهرنا الاجتماعي الراكد، فتاة تخرجت في مدرسة أو كلية، أو جاءت من أوربا بالعالمية. . . أفتدري أية معجزة مصرية في هذا تباهي بها مصر؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>