للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الطائشة]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

تتمة

وهذا محصّل رواية (الطائشة) نقلناه من خط الكاتب على مساق ما دونه في أوراقه، وعلى سرده الذي قصّ به الخبر. وقد أعطانا من البرهان ما نطمئن إليه أن هذه. (الطائشة) هي من تأليف الحياة لا من تأليفه، وأنه لم يخترع منها حادثة، ولم يأتفك حديثاً، ولم يزدها بفضيلة، ولم ينقصها بمعرّة؛ وأشهد على قوله كتب صاحبته الأديبة المستهترة التي لا تبالي ما قالت ولا ما قيل فيها. وهذه الكتب رسائل منها الموجز ومنها المستفيض، وهي بجملتها تنزل من الرواية منزلة الشروح المفتنة، وتنزل منها الرواية منزلة اللمع المقتضبة؛ وكل ذلك يشبه بعضه بعضاً، فكل ذلك بعضه شاهد على بعض

قال كاتب (الطائشة):

كنت رجلاً غزلاً ولم أكن فاسقاً، ولست كهؤلاء الشبّان الذين أصيبوا في إيمانهم بالله فأصيبوا بإيمانهم بكل فضيلة، وذهبوا يحققون المدنية فحققوا كل شيء إلا المدنية ترى أحدهم شريفاً يأنف أن يكون لصاً وأن يسمى لصاً، ثم لا يعمل إلا عمل اللص في استلاب العفاف وسرقة الفتيات من تاريخهنّ. وتراه نجداً يستنكف أن يكون في أوصاف قاطع الطريق، ثم لا يأبى إلا أن يقطع الطريق في حياة العذارى وشرف النساء.

أكثر أولئك الشبان المتعلمين يعرضون للفتيات المتعلمات بوجوه مصقولة تحتمل شيئين: الحب والصفع. . . ولكن أكثر هؤلاء المتعلمات يضعن القبلة في مكان الصفعة، إذ كان العلم قد حلل الغريزة التي فيهن فعادت بقايا لا تستمسك، وبصّرهنّ بأشياء تزيد قوة الحياة فيهن خطراً وتوحي إليهنّ وحيها من حيث يشعرن ولا يشعرن، وصوّر في أوهامهم صوراً محل الصور التي كانت في عقائدهن، وأخرجهن من السلب الطبيعي الذي حماهن الله به؛ فلهنّ العفة والحياء ولكن ليس لهنّ ذلك العقل الغريزيّ الذي يجيء به الحياء والعفة، وكثيرات منهن يخشين العار وسمته الإجماعية ولكن خشية فقهاء الحيل الشرعية قد أرصدوا لكل وجه من التحريم وجهاً من التحليل، فأصبح امتناع الإثم هو ألا تكون إليه حاجة. . . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>