للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

برنار لم يكن إلا مبادئ تجريبية ومحاولات تقريبية. وسرّه أبهجه أن كشف إن أصدقاء برنار لم ينشروا ما كتبه بنصّه كاملاً، بل زادوا وحذفوا، فأحكموا الحذف وحذقوا الزيادة، كي يستقيم الكتاب ويصح لدى القارئين. وذات يوم قام في الأكاديمية فعرّ أعضاءها، وأساء إلى رجالات فرنسا إذ أنحى باللوم اللاذع القبيح على أصدقاء برنار لتهجّمهم بنشر كتاب يجرؤ على التشكك في نظرياته، وإذ صرخ صرخات عنيفة مرذولة إلى برنار، وبرنار في قبره لا يستطيع دفعاً عن نفسه، وعقّب على هذا بنشر رسالة في نقل أبحاث صديقه القديم، رسالة أعوزها الذوق السليم، رسالة تهتم برنار - وهو رجل عالم من قمّة رأسه إلى أخمصه - باقتباسه الخرافة من كثرة صحبته للأدباء النابهين من أعضاء الأكاديمية، رسالة تحاول أن تثبت أن برنار في آخر أبحاثه كلّ بصره فلم يعد يرى الأشياء، وتهزأ به فتقول احتمالاً إن بصره طال طولاً لم يعد معه يرى الخمائر القريبة. وألحّ بستور في هذا النقد حتى ترك العامة تحسب إن برنار أصابه خرف الشيخوخة في آخر أيامه عندما كتب كتابه هذا. وفقد بستور الحس بالحسن والقبيح، وفقد مقاييس الليباقات، فأخذ في ثروته يدق بقدميه على قبر برنار دقّات ثقيلة كادت تقلق جثّته تحت التراب

وأخيراً ثاب إلى رشده، وسلك في ردّه على برنار السبيل التي يؤثرها كل عاقل على مقالة السوء ولغو الكلام. تلك سبيل التجربة. فأجرى تجارب غاية في الإبداع. وجرى على طريقة الأمريكيين إذ إذا هم أرادوا بناء ناطحة من ناطحات سحابهم في ستة أيام. فهرع إلى مخازن البيع فاشترى قطعاً من الزجاج عظيمة، وهرع إلى النجّارين، وطلب إليهم أن يصنعوا من هذا الزجاج بيوتاً كمرابي النبات يسهل حملها ويستطاع نقلها وتركيبها. وقام على أعوانه يستحثهم في إنجاز قبابات وتجهيز ميكروسكوبات وتعقيم لفّافات من القطن، فنسوا الطعام وعزّهم النوم. وفي وقت بالغ القصر جمع كل هذه الأشياء وسافر بها إلى بيته العتيق في جبال الجورا. ونفض يده في أثناء ذلك من كل عمل، وأشاح بوجهه عن كل اعتبار، واتجه بكل نفسه قدماً إلى إثبات إن نظريته في التخمّر نظرية صحيحة

وما بلغ بلدته أربوا حتى ذهب إلى كرمته، ولم يضع وقتاَ سدى، فقام على بيوت الزجاج التي جاء بها فنصبها على بعض أعنابها فحجبتها عن الهواء الخارج حجباَ محكماً. وأخذ يفكّر: (هذا الصيف قد تنصف، والعنب لا يزال فجّاً، وأنا أعرف إن العنب في هذا الوقت

<<  <  ج:
ص:  >  >>