للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يحمل على جلده خمائر أصلاً). وأراد أن يزيد وثوقاً من ذلك، فلفّ بعض العناقيد في بيوت الزجاج بلفَات القطن التي كان سخنّها مساعدوه ليقتلوا ما علق بها من الأحياء. وأسرع في العودة إلى باريس واصطبر بها على أحرّ من الجمر حتى ينضج العنب، ونفذ صبره يوماً فجاء أربوا وكله أمل أن يثبت أن برنار كان خاطئاً، ولكنه وجد العنب لا يزال فجّاً فعاد خائباً. ونضج العنب أخيراً، فأخذ يمتحن جلود العنب ببيوت الزجاج تحت المجهر، فلم يجد عليها خميرة واحدة. وقام من على المجهر ثائراً، فأخذ شيئاً من هذا العنب فعصره في قبابات أجاد تسخينها لتعقيمها، وتركها فلم تظهر في عصيرها فقاعة للتخمر واحدة. وعصر عنباً من كرمة خارج بيت الزجاج، فهذا استحال عصيره إلى خمر سريعاً. وما انتهى من هذا حتى جمع بعض تلك العناقيد الطهور الخالصة من الخمائر، واعتزم ليحملنها إلى الأكاديمية ويهدي كل عضو أحب عنقوداً ثم يتحدّاهم أجمعين أن يخرجوا من هذه العناقيد المصونة خمراً. . . وقد أيقن إن هذا محال إلا إذا هم أدخلوا الخمائر إليها. . . وأمل من وراء كل هذا أن يثبت لهم إن برنار خانه الحظ في الذي قال، وركبوا القطار إلى باريس، وظلّت مدام بستور المسكينة في جلستها الطويلة مستقيمة الظهر تحمل أمامها عناقيد العنب حذر أن تسقط لفائف القطن عنها.

وجاء موعد انعقاد الأكاديمية، فقام بستور يصف لرجالها كيف صان عنبه من الخمائر فلم تنلها. وصاح فيهم: (أليس عجيباً إن أرض كرمتي يوم بدأت تجاربي لم تكن بها حصوة إلا استطاعت أن تخمّر عصير العنب! وما يصدّق على كرمتي يصدق على كروم الدنيا الواسعة. ثم أليس عجيباً بعد هذا إن بيوت الزجاج التي نصبتها خلت أرضها من الخمائر فلم تستطيع لعصير العنب تخميراً! ثم أتدرون لماذا؟ لأنّي في الوقت المناسب حجبت هذه الأرض عن الهواء بتلك البيوت من الزجاج!. . .)

وخرج من هذا إلى نبوءات عجيبة، إلا أنها على غرابتها قد تحققت اليوم. نبوءات كالوحي، وخيالات كالشعر، تجعلك تنسى خصومته القبيحة المرذولة التي أثارها على برنار. قال: (أفلا يجوز لنا بعد هذا أن نؤمن بيوم هو لا بد آت يستطيع فيه الإنسان أن يحمي نفسه من الوباء حماية أرض هذه الكرمة من خمائر الهواء). وكانت الحمّى الصفراء أصابت أرليانزة الجديدة فتركت عامرها خراباً، فقام يصوّر لهم تلك النازلة الفادحة

<<  <  ج:
ص:  >  >>