للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسارت في طريقها فما ألح الرجل ولا تعوقت المرأة، ومالت إلى غرفة في الندى تأخذ زينتها في المرآة فأدركتها صديقة، ونظرت كل منهما في وجه صاحبتها فأطالت النظر ثم أطرقتا. .

منذ بعيد تقارف هاتان المرأتان الإثم في غير حذر ولا تذمم؛ أما إحداهما فضحية شاب غوى أغراها حتى نال منها ثم اختفى من وجهها وخلّف بين أحشائها بضعة منه، ففرّت بجريمتها من قانون الجماعة إلى حيث تشفي قلبها بالانتقام من الرجال

وأما الأخرى فزوج كالأيم، أو هي أيم وإن تك ذات بعل؛ فما شعرت يوماً أن لها حقاً على رجلها، وإنه لذائب التجوال بين البلاد، ولا تستقر به الدار في حضن زوجته أياماً حتى تعرض له الأماني تغريه أن يضرب في الأرض يطلب المجد بالثمن الغالي. . . بشرف زوجته. . .!

لم تحس المرأتان قبل الليلة معنى من معاني الندم؛ فمالها الليلة مطرقتين لا تنبسان؟

أرأيت إلى المجرم إذ يفجَأ وهو يقارف جريمة منكرة، فليس يملك أن ينكر ولا أن يعتذر؟

وعاد نظر المرأتين فالتقيا فإذا هما تتعانقان وقد أجهشتا باكيتين، وأطفأت دموع الاستغفار وقد النار ولذع الندم، فكأنما حلت في جسد كل منهما روح جديدة قد خرجت من الجنة لساعتها لم تتعلق إنما ولم تجترح معصية

وتلفت إبليس فإذا الندى مقفر خالٍ ليس فيه إلا الندل يسعون بين الموائد الخالية، يرفعون الأوراق والأقداح ويصففون الكراسي والمناضد

وتنفّس الصبح فأبدل إبليس ثياباً بثياب، وانطلق تبانه وبرنسه إلى سيف البحر، يستمتع به ما يستمتع البشر، ويملأ عينيه وقلبه من مفاتن دنيا الناس. لقد كان له في البحر معهد يرتاده زبانيته يعلمون الناس السحر وينصبون شرك الفتنة؛ وهو ذا البحر، فأين فتنته وسحره، وأين مباهجه التي كانت؛ أين الأجسام البضة، والأذرع الغضة، والسيقان اللفاء، والصدور النواهد؛ وأين العيون التي ترمي فتصمي، وأين لآلي البحر تغوص وتطفو، وأين الزبد الأبيض يلاطم الزبد الأبيض

لقد خلا البحر من عرائسه، إلا عجوزاً مقرورة مستلقية على الشاطئ، ما يبدو منها إلا عينان كصدفتين ملقاتين في كومة رمل!

<<  <  ج:
ص:  >  >>