للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نكبت دمشق الحرب، فقلت الأقوات، حتى أكل الناس العشب. . . وباد الرجال: من لم يمت منهم برصاص الإنكليز والفرنسيين، ومن لم يمت من الجوع، مات على مشانق جمال باشا، حتى لم يبقى في دمشق إلا شيوخ ركع، ونساء جوع، وأطفال رضع. . .

فشيعت دمشق من مات، وحدبت على من بقى، ما خارت ولا جزعت. . . (وصبرت دمشق)!

ثم كانت (ميسلون) فذبح (العمروط الأفاق) رب البيت، واستباح الحمى، وأراد أن يعدو على سليلة الشرف، وبنت الأكرمين، فصدته أروع صد، فأتى على الديار فجعلها حصيداً، كأن لم تغن بالأمس؛ وعادت دمشق من ميسلون، فإذا كل شيء قد انهار، وإذا الدار قواء، كأنما لم يشد فيها ملك، ولم تقم فيها دولة، ولم يكن لها استقلال. . .

فدفنت دمشق بيدها أبناءها، وأقسمت على قبورهم (القسم الأحمر) وما بكت ولا شكت. . . (وصبرت دمشق)!

ثم كانت الثورة فهبت دمشق تعلن في أبنائها بأن قد جاء (الامتحان الأول) فاروني ماذا حفظتم من الدرس. . .

وكان الامتحان في دق الباب

فدقه الأبطال من أبناء دمشق دقاً ضوضى على جوانب السين، فثار الناس فزعون يقولون: ماذا؟

قيل: بردى يشتعل!. . . قالوا: أطفئوه بالنار!

فكانت المعركة بين الماء والنار. . . بين الدم والحديد. . . فرد الفتية العزل الجيش اللجب، فوقف سنتين دون نهر تورا لا يجتازه، وما عرضه بأكثر من (ستة أمتار)

ثم انتهى الامتحان، فدفنت دمشق أبناءها، وقامت دمشق المفجوعة على أنقاض دمشق المحرقة المهدمة فجددت القسم، وكانت ميسلون فصارتا ميسلون والغوطة. . . . . . (وصبرت دمشق)!

ثم كان يوم (٢٠) كانون، فأعلنت دمشق أن قد جاء الامتحان الثاني، وكان الامتحان في فتح الصندوق

فقالت القوة: لا! وقال الحق: نعم!

<<  <  ج:
ص:  >  >>