للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعداً شاسعاً عن كل ما هو رمزي أو مثالي. وقد يبدو هذا مخالفاً للمألوف - غريباً - غير أننا سنحاول بسطه وتفصيله

(فالتراجيدية) الإغريقية تعالج في مجموعها ماضي الإغريق واساطيرهم؛ وهي لذلك يمكن أن تعد في القصة التاريخية - ويتضح قولنا هذا أن استطعنا تصور جماعة المتفرجين في مسرح أثينا، عند ازدهار الدرامة وانتشارها. فقد كان هؤلاء القوم على قسط من البداوة يسمح لهم بان يعدوا كل ما نظمه الشعراء من قصص الآلهة وأنصاف الآلهة تاريخاً قومياً لبلدهم وشعبهم؛ وان ما نراه نحن اليوم غريباً خرافياً في شعر أولئك الشعراء مثل ظهور الآلهة على المسرح، أو انبعاث الأشباح من قبورها، لم يكن هكذا غريباً أو خرافياً عند الإغريق الأوائل، بل كانت حقيقة تروى وتاريخاً يقص - نسبة إلى دينهم وحياتهم وقوة خيالهم الطفل - أما أن الدرامة التاريخية هي اقرب أنواع هذا الفن إلى الواقع والحياة فهذا مما لا ريب فيه - وقد كتب الناقد الإنجليزي (كولريدج) يقول (لأجل أن تكون الدراسة حقيقة تاريخية يجب أن يعالج موضوعها تاريخ القوم الذين تمثل لهم وتقص عليهم، - ونحن إذا أنعمنا النظر قليلاً وجدنا أن من الصعب أو من المستحيل أن تنشأ لشعب عاطفة وطنية ما لم يكن هذا الشعب على علم - ولو خاطئاً - بتاريخه وتاريخ بله - ومن هذا ينتج أنه في الدرامة التاريخية تكون العلاقة بين حوادث القصة على المسرح وبين المتفرج على مقعده قوية متصلة أقوى منها في أي نوع آخر من الأدب المسرحي. ومن المشاهد أن الكاتب المسرحي يتوخى ذكر هزائم التاريخ وسقطات الأبطال وفشلهم، فان هو ذكرها فإنما يذكرها معكوسة فلا توحي إلى نفس المتفرج يائساً ولا خيبة، ولكن تشعلها حماسة ووطنية، وإنا لنذكر حظ الشاعر الأثيني البائس الذي بنى قصته على فشل (أثينا) البحري في حربها مع (إسبرطة)، فكانت النتيجة أن الزمه قومه بدفع قسط من المال كبير عقاباً له وتأديباً وظهاراً لاحتجاجهم وسخطهم. فخلال هذا الشعور الذي تتاجج به نفس المشاهد، وخلال إحساسه بوحدة بلده وقوميته واتصال ماضيه بحاضره تقوي حوادث القصة التاريخية على المسرح إحساسه هو بنفسه وكيانه كما يقوي وجوده هو حقيقة القصة وصحتها ولونها الواقعي. ومهما يكن في المسرحية التاريخية من شذوذ أو بعد عن الإمكانية فان لونها الواقعي يظل أقوى الألوان جميعاً مادام التاريخ يكسوها ويظللها بظله

<<  <  ج:
ص:  >  >>