للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جهلهم بالعلم الذبابي يسمونهما عينين. . . وأنا قضيت اليوم كله أخمش وأعض وألسع لأثقب لي ثقباً مثلهما فما انتزعت شعرة؛ فهل يستوي الحكمة في رزقي (أنا) ورزق هاتين الذبابتين في وجه البقرة. . .؟

ثم أنها رأت خنفساء تدب دبيبها في الأرواث والأقذار فنظرت إليها وقالت: هذه لا تصلح دليلاً على الكفر؛ فإني (أنا) خيرٌ منها؛ (أنا) لي أجنحة وليس لها (وأنا) خفيفة وهي ثقيلة؛ وما كأنها إلا ذبابة قديمة من ذباب القرون الأولى ذلك الذي كان بليداً لا يتحرك، فلم تجعل له الحركة جناحاً. ثم إنها أصغت فسمعت الخنسفاء تقول لأخرى وهي تحاورها: إذا لم يجد المخلوق أنه كما يشتهي فليكفر كما يشتهي؛ يا ويحنا! لِمَ لمْ نكن جاموساً كهذا الجاموس العظيم، وما بيننا وبينه فرق إلا أنه وجد من ينفخه ولم نجد. . .؟

فقالت الذبابة: إن هذا دليل العقل في هذه العاقلة، ولعمري إنها لا تمشي مثاقلة من أنها بطيئة مرهقة بعجزها، ولكن من أنها وقور مثقلة بأفكارها، وهي الدليل على أني (أنا) السابقة إلى كشف الحقيقة. . .!

وجعلت الذبابة لا يُسمع من دندنتها إلا: أنا، أنا، أنا، أنا. . . من كفرٍ إلى كفرٍ غيره إلا كفر غيرهما، حتى كأن السماوات كلها أصبحت في معركة مع ذبابة. . .

ثم جاءت الحقيقة إلى هذا الإلحاد الأحمق تسعى سعيها؛ فبينا الذبابة على وجه حائط، وقد أكلت بعوضةً أو بعوضتين، وأعجبتها نفسها، فوقفت تحك ذراعها بذراعها - دنت بطةً صغيرة قد انفلت عنها البيضةُ أمس، فمدت منقارها، فالتقطتها. ولما انطبق المنقار عليها قالت: آمنت إنه لا إله إلا الذي خلق البطة. . . . . . .!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>