للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نُقشت عليها هذه الكلمة المقتضبة: (للأجمل!)

- ٣ -

باريس:

درجت عادة القدماء أنه كلما ولد لأحدهم غلام توجه من تَوّه إلى الهيكل يقدم القرابين ويزف الهدى، ثم يستوحي المعبود عما يكون من مستقبل ولده وما يفيض به من سعادة أو شقاء، ليأخذ للأمر أهبته، وليعد لكل شيء عدته

فلما وضعت هيكيوبا، ملكة طروادة، غلامها باريس، حمله أبوه الملك، بريام، إلى هيكل أبوللو، ليرى رأي الإله فيه

واربدّ وجه الملك الشيخ، وتغضَّنت أساريره، حين قال له كاهن المعبد: إن ولده سيكون كارثةً على قومه وعلى بلده! يأتي من الإثم ما يجر إلى قتل إله وبني جلدته، ويُفضي إلى سقوط طروادة في يد أعدائها

وتحدث بريام إلى هيكيوبا في ذلك، فصمما على الخلاص من الطفل بتركه في العراء، فوق واحدةٍ من جنبات الجبل، ينوشه طير جارح، أو تفترسه ذئاب البرية. وأنفذا فعلتهما الشنعاء! ولكن القضاء ينبغي أن يتم، والقدر يجب أن يأخذ مجراه! فلقد جاز بهذا المكان من الجبل أحد رعاة الأغنام فوجد الغلام وفرح به، واتخذه لنفسه ولداً؛ ثم سهر عليه واعتنى به، ونَشَّأه تنشئة الفروسية التي كانت أحب مزاولات الحياة هذا الزمن

وشب باريس فتى يافعاً، جميلاً ممشوقاً، فعمل مع الراعي الذي أنقذه. وكان مولعاً بالبحر، تشوقه أمواجه، وتفتنه أواذيه، فكان يختلف إليه ريثما تفيء الأغنام من الحر، يلهو بالسباحة، ويتربص بمصارعة الموج. وبدت له إحدى عرائس الماء - إيونونيه - وكانت قسيمةً وسيمة، فهويها وعلقها قلبه، وما لبثت أن أصبحت أعز شيء عليه في هذه الحياة

وعشقته إيونونيه، وأخلصت له الحب، وكانت تنتظر أوبته من رعي الغنم كما ينتظر الظمآن جرعة الماء، والعليل برد الشقاء

وا أسفاه!

لقد قضت ربات الأقدار - كلوتو وأختاها - ألا يدوم هذا الحب طويلاً!

- ٤ -

<<  <  ج:
ص:  >  >>