للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المعنى والأسلوب]

في الأدبين العربي والإنجليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

المعنى الصادق الرفيع والأسلوب المحكم الجميل هما قوام كل أدب جديد بهذا الاسم؛ لا يغني أحدهما إذا غاب الثاني، ولا يرتفع الأديب إلى الذروة العليا في الأدب إلا باجتماعهما له

وقد كان كبار شعراء الإنجليزية - كشكسبير وملتون ووردزورث وتنيسون - يجمعون إلى خصب شعورهم بصيرة باللغة بعيدة ومقدرة على التصرف بمفرداتها وتراكيبها تصرفاً يبرز معانيهم في أحسن صورة، أما توماس هاردي فقصر به عن بلوغ ذروتهم - رغم خصوبة شاعريته - إعواز الرصانة في أسلوب شعره الذي هو أشبه بالنثر الجيد، وقصوره عن أولئك وتعابيرها، ومن ثم ينزله النقاد الإنجليز المرتبة الثانية بين شعرائهم

وقد كان للمعنى - المعنى الصادق الجدير بالتعبير عنه - المنزلة الأولى عند كبار الأدباء الإنجليز دائماً، وكان الأسلوب يحل عندهم في المحل الثاني، ويأتي لأداء المعنى لا ليحل محله أو يتحيَّفه، ولم يشتد الولع بالأسلوب إلى حد الإغراق إلا في عهد قصير في القرن الثامن عشر ما يزال يُعد أحط أزمان الشعر الإنجليزي، وسرعان ما تحرر الأدب من قيوده، وعاد كما كان تعبيراً صحيحاً عن الشعور الصادق في أسلوب طبيعي مستقيم

أما الأدب العربي فطغى الأسلوب على جانب كبير منه في مختلف عصوره وتحيف المعنى أو ألغاه: ففي الأدب العربي شعر ونثر كثيران يروع أسلوبهما والمعنى فيهما ضئيل هزيل أو مصطنع كاذب غير معبر عن شعور صحيح أو تفكير سليم، لأن الأديب قدم براعة الأسلوب على التعبير عن حقيقة خواطره أو الإتيان بمعنى جديد يستحق عناء الإنشاء

لقد كان العرب شعراء السليقة لا شك، يُحِلُّون الشعر أو الأدب عامة مكانة عالية ويحتفون به ويطربون له، حتى أوشك أن يكون فهم الجميل الوحيد، ولكن من العجيب بل من المؤسف أن الأدب العربي أحاطت به ظروف أزاغت نظرة كثير من أدبائه إلى الأدب أو وظيفته أو رسالته، وقد أشرت في كلمات سابقة إلى بعض تلك الظروف، ومنها دخول الأعاجم في اللسان العربي، واعتزال الأدباء مجتمعهم واعتمادهم على صلات الكبراء،

<<  <  ج:
ص:  >  >>