للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالقرب من المحجر على بعد عشر دقائق من القلعة - منزل عتيق من طابقين له باب كبير ثقيل ومن خلفه دهليز يؤدي إلى فناء رحب تحيط به الحجر والمرافق وتطل عليه النوافذ والشرفات - في هذا الفناء شاهدت جملين مناخين حولهما حركة عنيفة صامتة، فقد كان القوم منهمكين في إعداد لوازم الرحلة - فهذا يملأ قرب الماء حتى إذا ملأها تعهد متانتها ثم أحكم ربطها إلى جانبي البعير، وذاك يحزم الملابس والأغطية ثم يضعها على ظهره، وثالث يرتب علب المأكولات داخل صندوقين من الخشب ثم يشدهما بوثاق إلى ظهر البعير الثاني وهكذا - بعد أن تبادلنا التحية دخلنا حجرة واسعة قد جلس في صدرها رجل وسيم المحيا مليء الجسم طويل القامة كبير الشوارب وقد خط الشيب شعره، فاستقبلنا واقفاً مرحباً ثم قدمني إليه خالي قائلا:

عمك عبد الله بك كبير الأسرة.

فلثمت يده على ما كان متبعاً في ذلك الوقت فضمني إلى صدره وقبّلني في جبيني وقال وهو يلاطفني: إنك الآن يا ولدي تجيب داع التقاليد في أسرتك؟

بعد قليل هدأت الحركة في الفناء، ثم نهضت الجمال وخطت نحو الباب وقد أمسك بزمام الجمل الأول شيخ يناهز الستين في لباس بدوي وقد ارتسمت على وجهه جميع إمارات الثقة بالنفس والتوكل على الله، وكان يقود الجمل الثاني شاب بدوي كذلك ممشوق القامة نحيل الجسم قد عّلق على ظهره بندقيته وتدلّى من صدره حزام للخرطوش ولما مرّت الجمال أمام النافذة أطلّ عليها عبد الله بك وقال بصوت هادئ رزين:

- على بركة الله يا شيخ سويلم

فأجاب الشيخ بصوت متهدج فيه غنة وبحة: بارك الله فيكم يا بك

- أين الانتظار؟

- على نير الفحم يا بك

خرجت الجمال إلى الشارع وقد انتصفت الساعة التاسعة وبخروجها شمل المنزل سكون عميق. ثم اتجه عبد الله بك نحو نضد في جانب الحجرة قد ثبتت فيه آلة لحشو الخرطوش فأخذ يديرها بمهارة وخفة، وبعد ان قضى في ذلك نحو نصف ساعة تناول من علاّقة قريبة مناطق الخرطوش وملأ به عيونها ثم خرج.

<<  <  ج:
ص:  >  >>