للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لما تهدأ. والحق انه إذا كانت ثورة الأدب مدينة في هذا العهد الأخير

لعدد غير قليل من الكتاب والأدباء فهي مدينة لك بأعنف ما فيها، مدينة

لك بأشد ما فيها طرافة. وبحسبي أن أذكر ذلك لتعلم كم يفكر فيك من

فكر وما يزال يفكر في ثورة الأدب، ومن يعتقد بل من يلمس هذه

الثورة ويرى أنها ما تزال لما تهدأ وأنها ما تزال تحطم وتهدم وتحاول

أن تبني كما حطمت الثورة الفرنسية النظم والطبقات. ولست أحاول

الرجم بما عسى ان تتمخض عنه هذه الثورة حين يستقر الأمر إلى

التوليد الهادئ المطمئن، ولعل صديقنا المازني أقدر مني على هذا

الرجم.

ولست أخفيك كذلك ان فصلك عن (ثورة الأدب) أثار مني ابتسامات دهشة وخجل متصلين من أوله إلى آخره فقد رأيتك تصورني فيه صورة لا أعرفها لنفسي، صورة جن لا ينقطع إنتاجه وأب لا يبخل على أسرته بحقها عليه، وصديق لا يضن على أصدقائه بحقوقهم عليه. فلست أعرف لنفسي من هذا كله شيئا. إنما أنا مقصر في حقوق أصدقائي، أكثر من مقصر في حق أسرتي. ثم ماذا تراني يا صديقي أنتجت؟ دعك من فصول يومية تكتب في الصحف فأنت أعرف الناس بتفاهة ما ينفق من مجهود في هذه الفصول. ودعك من العمل في حزب سياسي فأنت أدري بالسياسة المصرية: ما هي وما مبلغ الجد فيها. دعك من هذين وانظر وإياي فيما أنتجت. إنه لا شيء أو لا يكاد يكون شيئا، فأنا رجل بيني وبين الخامسة والأربعين شهور، وهذا أنا لا خيل عندك تهديها ولا مال، فليسعد النطق ان لم تسعد الحال. أم تحسب هذه الكتب القليلة مجهود جني؟! إن يكن ذلك فهو جني بليد ويطوف في الآفاق ثم يرضى من الغنيمة بالإياب، أو هو كما ذكرت جني هادئ مطمئن أفاق منذ حين قصير من نوم مريح. ولعلي لا آسف إذ أصف نفسي في ذلك على حقيقتها. وكل رجائي أن أصل من الحياة إلى حظ هادئ مطمئن يكفيني بعده أن أفي لأصدقائي بحقوقهم ولأسرتي بحقها وألا أكون هذا الرجل المقصر الذي يعذر الناس تقصيره ويتوهمونه لكثرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>