للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهالها أن تنظر فترى إلى المنايا تقفز على غوارب الموج، وتثب فوق نواصي الثبج؛ تدمدم كأنها الذئاب، وتهوم كأنها البواشق، وترقص ظلالاً سوداء كأنها الجن!.

لقد ريعت الأم المسكينة، وكادت تنثني بطفلها المعبود، إشفاقاً عليه من هول ما شاهدت. . . بيد أن الطفل. . . بيد أن أخيل الصغير، كان يصرخ وينتحب كلما بعدت به أمه عن شواطئ النهر، في حين كان يهدأ وبتسم كلما اقتربت به منها. فتعجبت ذيتيس، وجلست ترقب من النهر فرصة هادئة فتغمر ابنها في مائه لحظةً وتمضى لشأنها. . .

وكأن الآلهة قد استجابت لتوسّلاتها. . . . فقد نامت الآمواج، واستقر سطح الماء، وقالت شياطين النهر المصطخب؛ فتقدمت الأم المضطربة، حاملة ولدها من إحدى رجليه، وذكرت أربابها، متبهلةٍ إليهم، وغمست أخيل في الماء الهادئ في أقل من لمح البصر، وعادت أدراجها فرحة متهللة. . .

جزء واد من جسم أخيل لم يغمره الماء!!

ذلك هو عقب قدمه اليسرى! فيا للهول!

لقد أسلمت ذيتيس ولدها الحبيب للسنتور العظيم شيرون، مؤدب هرقل ومدربه، يلقنه الفنون الحربية، وبنشئه على أعمال الفروسية، ويبث فيه من ذلك الروح الكبير، الذي بثه في سائر تلاميذه من قبل، فكانوا فرسان كل حلْبة، وصناديد كل ميدان، ولقد نبغ أخيل في استعمال السيف، والعب بالرمح وتوتير القسِي، وثقف حِيل المصارعة والملاكمة. . . . وقصارى القول، أصبح فتى زمانه، والهلع الملقى في قلوب أنداده وأقرانه. . . إن كان له أنداد وأقران.

وعاد إلى أمه فاحتفت به، وذهبت من فوْرها هذا إلى العرافات القُدامى، وكهنة المعبد، فاستوحتهم ما عسى أن يكون في كتاب الغيب من حظ لابنها في الميدان. . .

ولكنها حزنت، ودهاها من الهم ما دهاها، حين قال لها الكاهن الأكبر، مؤمَّناً على ما تنبأت به العرَّافات، إن أخيل سيدعى للقتال في صفوف الإغريق، وأنه سيلقى حتفه تحت أسوار طرواده، بسهم يرميه بع ألد أعدائه، يصيب منه مقتلاً في موضع دقيق من جسمه، هو، واأسفاه، عَقِبُ قدمه اليسرى، التي لم تغمرها مياه ستيكس!!.

حزنت ذيتيس، وتجهمت للحياة المشرقة، وتجهمت الحياة المشرقة لها، وآلت إلا أن تحول

<<  <  ج:
ص:  >  >>