للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تضطرم في نفوس المسلمين اضطرام البركان قبيل أن يثور، ولكنها كانت تضعف حيناً وتشد حيناً تبعاً لسياسة القائم بالأمر ونظام حكمه؛ فالقبائل كانت تنزل منزلها في البلاد على هذه الفكرة، والبصرة والكوفة تخططان على هذه الفكرة، والخلاف ينجم في فارس والشام والعراق والأندلس من هذه الفكرة، وكلها تدور على الزعامة والإمامة؛ فمن كان سيداً في الجاهلية أن يكون سيداً في الإسلام، كأن العرب لم يفهموا من الدين الجديد إلا أنه طريق إلى السلطان وسبيل إلى الغلبة والثروة والحكم ليس غير. ولعلك تذكر أن بعضاً من شيوخ القبائل كقيس بن عاصم والأحنف بن قيس كانوا يعرضون على الرسول أن يدخلوا في دين الله لا على أنه دين الحق، بل ليكون لهم من بعده

ظلت هذه الروح العصبية مكبوتة في عهد الشيخين لأخذهما الأمور بالحزم والعدل، ولانصراف العرب إلى المغنم من طريق الجهاد والفتح، فلما ولي الأمر عثمان وهنت اليد المصرفة فسندتها يد أخرى، وتشتت الرأي فلم يصدر عن الخليفة وحده، وحكم إله الناس بعصبيتهم الأموية لا بقوميتهم العربية؛ وكان المسلمون يومئذ قد أفاءت عليهم الفتوح والغنائم بالثراء إلى حد البطر، فاستيقظت الفتنة وقامت الثورة وانتهت بمقتل عثمان، وتجددت الخصومة على أثر ذلك بين علي ومعاوية، وقتل الإمام فتحرج الأمر وانشقت العصا، وانصرف العرب إلى جهاد العدو عن جهاد أنفسهم باللسان والسيف، وتفرقوا أحزاباً وشيعاً بعضها للدين وبعضها للدنيا. ففي الشام حزب يشايع بني أمية، يريض لهم الأمر، ويمكنهم في الملك. وفي الحجاز حزب يناصر أبن الزبير، يؤيده في دعواه وينصره في دعوته؛ وفي العراق حزب يشايع أهل البيت ويطلب لهم بحقهم في الخلافة؛ وهنالك حزب ديمقراطي ينكر الأحزاب ويكفر الزعماء ويقول بالشورى في الخلافة. وفي هذه الأحزاب الأربعة توزعت أهواء المسلمين وآراؤهم إلا طائفة قليلة لزمت الحياد وأرجأت الحكم بين المختلفين إلى قضاء الله يوم الدين، وهم المرجئة؛ واتصلت بين الأحزاب الخصومة، وأعنف فيها الخصوم، ولكن معاوية بعد أن تم له الأمر كان يصانع معارضيه بالدهاء والعطاء والإغضاء والحزم حتى أستوثق له الأمر طيلة حياته إلا من جهة الخوارج، فلما مات أفاق خصومه من خدر سياسته فزعزعوا عرشه، حتى إذا وهي أدركه مروان وبنوه فسنده واقتعدوه. وفي زمن عبد الملك أشتد المعارضة واستعرت الحروب، وكثر المطالبون

<<  <  ج:
ص:  >  >>