للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حول ١٤ سبتمبر]

للأستاذ محمد محمود جلال

أرأيت كيف غير (الكورنيش) من الرمل وكيف حكم في حظوظ البقاع؟! هكذا سألت نفسي وبدأت الحديث مع صديق رافقني إلى سيدي بشر في أول سبتمبر نبحث عن دار ننزلها تحت حكم ظروف طارئة - بعد أن هجرت الإسكندرية كمصيف منذ خمس سنوات

وكأن الله يريد أن يقفنا على المزيد من آياته في تطور الكون وأنه جل شأنه قد انفرد بالدوام، فما تحدثنا حتى دلفت بنا السيارة إلى اليمين تقطع شارعاً ضيقاً قصيراً لم أره من قبل، قام على أحد جوانبه خلاء وعلى الآخر بناء ضخم يوشك على التمام، وقد كدت أنكر الربوع وكأنها غير تلك التي قضيت بها الصيف أعواماً ثلاث متواليات. وما وصلنا آخر الشارع حتى طالعنا منزل يتصل بالماضي ببنائه وموقعه اتصاله بذكرياته، ويجفوه بلونه الجديد، وبهذا اللون وحده يتقرب إلى الحياة الجديدة وما طرأ على (سيدي بشر)

هذا منزل (لافرلا) ثالث الأبنية بتلك المحلة نزلناه أول مرة منذ تسع سنين يوم كان (سيدي بشر) في الصف الأخير بين المصايف لا تسمع له بينها ذكرا، فإذا ضمك مجلس مع المقبلين على التصييف شاقك ما تسمع عن (سان استفانو) وفخامة المنازل حوله، وطيب الهواء في (كارلتون)، وسهولة المواصلات في (سان جورج)، وتحس كأن البلدية ائتمرت مع الزمان القلب فحبت الأسماء الأجنبية بخير الأمكنة، وخصت هذه بالعناية البالغة بينما تركت الجهات الوطنية بلا ميزة، وعطلتها من كل حيلة!

غير أني أحسست لأول سكناي ظاهرة غريبة في (سيدي بشر)، فالرطوبة أقل كثيرا من جميع المحطات. والرطوبة شر ما يرهقني في الإسكندرية صيفاً، وهذه ميزة تعدل في نظري جميع المزايا الأخرى. ميزة تغلب أثرها على ما كنت أرى من دهشة حين أذكر بين أخواني أين أقضي الصيف وكأنهم لم يسمعوا بمحطة تدعى (سيدي بشر)

ومازلت أذكر من فكاهات تتصل بهذا المعنى أن المرحوم محمد نافع باشا، وكان قطباً للحلقة الأولى بالكازينو - وكنا ندعوه المصطبة - كان يدعوني سيدي بشر إذا ناداني إشارة إلى انفرادي بينهم بهذا المصيف، أو إلى اكتشافي له إذا شئت الحق

و (سيدي بشر) ذاته هو المحلة المزدحمة اليوم، وهو الكعبة للطبقة التي كانت تنفر منه

<<  <  ج:
ص:  >  >>