للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فصول ملخصة في الفلسفة الألمانية]

٢٣ - تطور الحركة الفلسفية في ألمانيا

الناحية السلبية من مذهب نيتشه

الإنسان

للأستاذ خليل هنداوي

الرجل ذو الضمير الفاسد يحس في نفسه حاجة مرضية للتألم، وهو لا يشعر بأن الحاجة تبعثها علة حقيقية هي وليدة هذا الضغط القاسي على إرادة قوته، وإنما يدرك فقط أنه متعاقد مع الألوهية على دين لا يمكن أداؤه. ومن الحق أن يبدو له أن هذا الدين شديد تهون في سبيله الآلام. فهو يحتمل الشقاء ليهدي غيظ دائنه العنيف، وليكفر عن خطيئته. وهاهو ذا الآن يلتمس العذاب يتذوقه ألوانا ليفي بدين يزعم أن لا نهاية له. يحمل الألم ولا غاية له إلا الأم ليطفئ في نفسه رغبة التفكير عن ذنبه. وهيهات أن تشبع هذه الرغبة أو تطفأ!

فكرة الخطيئة بعثت مرة ثانية، وأصبحت الآلة التي يتوعد بها الكاهن، وبها يسيطر على الأرواح، وبها انقادت له جموع الأشقياء ووضع يده على النعاج المتألمة التي أبصرها في الطريق. مضى قدما إلى أولئك المنحطين العاملين بشقاء يجهلون علته، يتحرون عن العلة أو الواحد المسئول عن انحطاطهم الغارقين فيه. فيوحي إلى هؤلاء بأنهم هم أنسهم كانوا سبب شقائهم الحقيقي، وأنهم ينبغي لهم أن ينظروا إلى هذه الآلام كتضحية صغيرة عن خطيئاتهم التي اجترحوها، فليتقبلوها - بطرب - كامتحان أراده الله، فآمنوا به وقبلوا بهذا الحل منه، وتلقحوا برضا بهذه الفكرة المسممة عن الإيمان بالخطيئة. وفي أوروبا اليوم مذهب يضم هؤلاء الخاطئين التوابين الذين يمشون بأجساد مريضة وأعصاب ساكنة ونفوس ذاهلة، فرائس لليأس والهذيان. جوعهم دائم للعذاب، تستولي عليهم فكرة الخطيئة والهلاك الأبدي

وفي النهاية يجد نيتشه أن التعاليم المسيحية كديانة وكمثل أعلى، لا تقود إلا إلى العدمية يجد أنها خلقت عالما مفعما بالأوهام المجردة، وتخيلت عللا خيالية وأعمالا خيالية، وروابط بين الأكوان خيالية. أسست علما طبيعيا وهميا مؤسسا على إنكار الأسباب الطبيعية

<<  <  ج:
ص:  >  >>