للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في قبوله إهانة له، أو حطا من كرامته؛ ويمكننا أن نسوق على ذلك شواهد كثيرة، ذكر أبو الفرج أن أبا العتاهية كان منقطعا إلى صالح المسكين، وهو ابن أبي جعفر المنصور، فأصاب في ناحيته مائة ألف درهم، وكان له ودودا وصديقا، فجاءه يوما وكان له في مجلسه مرتبة لا يجلس فيها غيره، فنظر إليه قد قصر به عنها، وعاوده ثانية فكانت حاله تلك، ورأى نظره إليه ثقيلا، فنهض وقال:

أراني صالحٌ بُغضَا ... فأظهرتُ له بُغضَا

ولا والله لا ينق ... ض إلا زدتهُ نقضَا

وإلا زدته مقتا ... وإلا زدته رفضا

ألا يا مفسد الوُدَّ ... وقد كان له محضا

تغضبتَ من الريح ... فما أطلب أن ترضى

لئن كان لك المال ال ... مصّفى إن لي عِرْضا

فنمى الكلام إلى صالح فنادى بعداوته فقال فيه:

مَدَدتُ لمعرض حبلا طويلا ... كأطول ما يكون من الحبال

حبالٌ بالصريمة ليس تفنى ... موَصَّلةٌ على عدد الرمال

فلا تنظرْ إليَّ ولا ترِدْني ... ولا تَقَربْ حبالكَ من حبالي

فليت الرّدمَ من يأجوج بيني ... وبينك مُثبتاً أخرى الليالي

فَكرْشٌ إن أردتَ لنا كلاما ... ونقطع قحفَ رأسك بالقتال

وذكر أيضا أنه قدم يوما منزل يحي بن خاقان، فلما قام بادر له الحاجب فانصرف، وأتاه يوما آخر فصادفه حين نزل فسلم عليه ودخل إلى منزله ولم يأذن له، فأخذ قرطاسا وكتب إليه:

أراك ترَاعُ حين ترى خيالي ... فما هذا يرُوعكَ من خيالي

لعلك خائف مني سؤالي ... ألا فلك الأمانُ من السؤال

كفيتُكَ إن حالك لم تمِل بي ... لأطلب مثلها بدَلا بحالي

وإن اليسر مثل العسر عندي ... بأيهما مُنيتُ فلا أُبالي

ولا شك أن هذه النفس في إبائها وعقيدتها المخالفة لعقيدة ممدوحيها لو كانت لغير أبي

<<  <  ج:
ص:  >  >>