للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب من توه إلى مخدع أندروماك! ولكنه لم يجدها هنالك، فبحث عنها في الغرف والردهات والأبهاء، ولكنه عبثاً حاول الوقوف لها على أثر!

وسأل عنها حشم القصر، وكان صدره يعلو ويهبط حين كن يتحدثن إليه عن أندروماك العزيزة وما تلقاه دائماً من القلق، وما تتفزع به روحها من الهواجس ما دام زوجها يخوض غبار هذه الحرب!

فهل هي من الأرض الثقيلة المخضبة بالدماء هذه العواطف المشتركة، أو هي من السماء الصافية التي لا يرتفع إليها نغل، ولا يروي فيها زند عداء، ولا تشب فيها سخيمة؟!

وأخبرنه أنها يممت شطر برج طروادة الرفيع، تشهد منه ما يحدث في المعركة من أهوال، وذلك عندما ترامت الأخبار أن الإغريق قد ضيقوا الحصار على جنود طروادة، وأنهم خضدوا شوكتهم، وفلجوا عليهم، ونخبوا قلوبهم، وضعضعوا أركانهم. . . فريعت أندروماك، وذهبت من فورها إلى البرج لتطمئن على رجلها وذخر حياتها، وسندها في هذه الحياة السوداء.

ونهد هكتور إلى البرج، فلقيته أندروماك بعينين مغرورقتين ووجه شاحب وجبين مغضن، وصدر ينوء بما فوقه من الهموم.

كانت تقف أبنت إبتيون، الجملية البارعة، وعلى ذراعها المرمري الفاتن طفلها الرضيع الشاحب، الذي حل بهذه الدنيا الهازلة ليكون عبرة سخينة من عبرات الحزن القاهر، ثم ليكون مأساة وحده حين تضع هذه الحرب الضروس أوزارها، وحين يشب فلا يرى حوله إلا الباكين والمحزونين، وإلا هذه المدينة الكاسفة التي تعصف بها آلهة الحرب، من غير ما شفقة ولا مرحمة!

وتعلقت أندروماك بذراعي زوجها، وشرعت تنظر في عينيه المبللتين، وتقول له:

(هكتور! رجلي وذخري من هذه الحياة! إلى أين أيها الحبيب؟ أما لهذه الحرب الطاحنة من نهاية؟ أهكذا قضت الآلهة على طروادة الخالدة بالحزن الأبدي والأسى المقيم؟ هكتور ألا تفكر في سلم يرفرف على ربوع الوطن، ويبقى على هذا الشباب الذي تعصف به ريح الحرب؟

رَجُلي!

<<  <  ج:
ص:  >  >>