للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدين الإسلامي والتوحيد]

تابع لما قبله

العلم ٩

إن بداهة العقل جازمة، بأن الذي وجد العالم وأتقنه، وأقامه على هذا النمط البديع وأحكمه، وأبرزه إلى حيز الوجود مشحوناً ببدائع تأخذ بالألباب وتحار فيها المدارك ووضع الأشياء في مواضعها وهدى كل ممكن لما يحتاج إليه في وجوده وحياته، وركب في كل إنسان عواطف وأميالاً صالحة لتكميله وإيصاله إلى غاية عالية من الرفعة الصورية والمعنوية وهو موصوف بصفة العلم وقد تقرر أن من ثبتت له الألوهية ثبتت استناداً لحوادث في وجودها إليه وذلك لا ريب مستلزم علمه بما يفعله.

فهو عالم بجميع المعلومات محيط بما يجري من تخوم الأرضين إلى أعلى السموات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، يدرك حركة الذر في جو الهواء، يعلم السر وأخفى ويطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات الأسرار.

تأمل هذه الحيوانات كيف اختلفت في الصور والهيئات وتنوعت في القدر والأحجام وتباينت في التراكيب والأجسام وكيف نشأ فيها ذلك الإلهام العجيب الذي يهديها لبناء مساكنها وتغذية صغارها والهيمنة على أحوالها وأمورها أنى اهتدت إلى معايشها ووفقت لسبل غذائها وما يقيم حياتها وهذا النحل على صغر حجمه كيف هدي إلى اتخاذ البيوت مسدسة الشكل متساوية الأضلاع لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طبعها والعقلاء من البشر لا يمكنهم مثل تلك البيوت إلا بآلات وأنظار دقيقة فجل العليم الحكيم الذي يعلم ذلك كله بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفاً به أزل الآزال لا بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول والانتقال.

اتفق جمهور العقلاء على أن العلم صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى تنكشف بها المعلومات عند تعلقها بها سواء كانت المعلومات موجودة أو معدومة قديمة أو حادثة كلية أو جزئية، وهو ليس بعرض ولا ضروري ولا مكتسب لأن الضروري قد يطلق على ما قارنته الضرورة من الحوادث والكسبي من صفات العلم الحصولي وكل ذلك محال في حق الله تعالى.