للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأفة بالناس ورحمة بضعفهم ليسهل الرضوخ لهم من الملك في سطوته والشريف في سمو محتدة ومن الشجاع في قوته والفيلسوفي في نفوذ فكرته والسياسي في دقة أساليبه ودلت الآثار على أن الله تعالى منح كل رسول من الصفات أوفى ما كان شائعاً بين قومه ومحلاً لمباراتهم وإعجابهم حتى تتم الصلة بينه وبينهم ثم يكون سموه في كل تلك المفاخر والمحامد وزيادته عليها بما يكرمه به الله من إشراقات النبوة وأنوار الوحي مدعاة إلى الانقياد له والخضوع لما يجيء به من الأوامر الإلهية، والحكم التشريعية.

ومن الدلائل المؤيدة لنبوتهم أن الله تعالى أرسلهم في أمم مختلفة وأزمنة متعاقبة متحدين في الوجهة متوافقين في الغاية يظهر أمرهم أولا ضعيفاً هينا ثم يقوى ويشتد ولا يزال كذلك حتى تصير كل قوة بإزائهم ضعفا وكل مقاومة استسلاماً وهم في زمان قوتهم كما في زمان ضعفهم كبراء الأفئدة لا تستخفهم المموهات الأرضية والملذات الوهمية أحرار لم تأسرهم فواتن الدنيا ولا سواحر الحياة مسمين وجوههم لله لا يخافون بطش جبار ولا سطوة غاشم داعين إلى سبيل الله لا يفترون ولا يملون ولا يضعفون ولا يجبنون. أجسام بشرية وأخلاق ملكية قد وسع الناس حلمهم واتسع للكل صدورهم فقراء ولكن تستخذي الملوك أمامهم، حلماء ولكن ترتعد العتاة بحضرتهم.

هؤلاء القادة العظماء الذين برهنت أفعالهم على صدق أقوالهم وجاءت الحوادث مؤمنة على دعائهم اتحدوا كلهم على القول بأنهم رسل الله إلى خلقه وأمنته على أسرار وحيه وأن بينهم وبين العالم العلوي صلة مستمرة ومددا لا ينقطع وأنهم جاؤوا للأرواح بنورها وللعقول بريحانها وللقلوب بمطلوبها وللصدور بشفائها.

يرشدون الناس إلى أن للكون إلهاً واحدا متصفا بصفات الكمال منزها عن صفات النقصان ويبينون لهم الحد الذي يجب أن يقفوا عنده.

يعرفون من أين تقتاد العقول المستعصية وكيف تستلين القلوب القاسية وبأي وسيلة تلجأ الجباه العالية العاتية إلى السجود والاخبات أمام عظمة الله وجبروته.

وقد اتفق العلماء على أن النبوة خصيصة من الله تعالى لا يبلغ العبد أن يكتسبها ويفسرونها باختصاص العبد بسماع وحي من الله تعالى بحكم شرعي تكليفي سواء أمر بتبليغه أم لا وليست مكتسبة للعبد بمباشرة أسباب خاصة كالرياضيات والتخلي عن الأمور الذميمة

<<  <  ج: ص:  >  >>