للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتخلق بالأخلاق الحميدة كما زعمت الفلاسفة وليس أمر هذا الاختصاص بعجيب فإننا نشاهد أمام أعيننا رجالاً متعهم الله تعالى بقوة عضلية لا يكاد يتصورها إلا من يراهم فإن كان لا يمكن التردد في أن هذه القوة الهائلة موهبة خاصة لا يستطاع كسبها بوجه من الوجوه فأي غرابة في أن أمر النبوة وهي قوة روحانية من المواهب الخصوصية التي يمتع الله بها أفراد من النوع الإنساني ليهدوا الناس إلى أقصد المناهج وليحملوا إليهم أنوار الحقائق وأسرار الشرائع ولا ندري كيف غفل عن مثل هذه المحسوسات أولئك الذين زعموا أن النبوة مكتسبة.

وفي مقدمة ابن خلدون أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جعل الله لهم الانسلاخ من البشرية في حالة الوحي إلى الملكية فطرة فطرهم عليها وجبلة صورهم فيها ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ماداموا ملابسين لها بالبشرية بما ركب في غرائزهم من القصد والاستقامة التي يحاذون بها تلك الوجهة وركز في طبائعهم رغبة في العبادة تكشف بتلك الوجهة فهم يتوجهون إلى الأفق الأعلى بذلك النوع من الانسلاخ متى شاؤوا بتلك الفطرة التي فطروا عليها لا باكتساب ولا صناعة له إذا تقرر هذا فلا مناص من التسليم والاعتراف بأن النبوة محض فضل من الله يختص بها من يشاء من عباده لا تنال باكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك ولا من التصورات ولا من الأفعال البدنية ولا بأمر من الأمور بل هي خصيصة وهبها الله بالفطرة لمن يصطفيه من خلقه فيكرمه بالإشراف على ما في الحضرة الروحانية فيرى من أمر الملأ الأعلى ما لا يرى الناس ويأتي لهم من ذلك الطريق بمعلومات يقصر العالم أن يتوهمها فضلاً عن أن يطلع على شيء منها (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس).

وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام صفات كمال يجب الاعتقاد بثبوتها وهي الصدق والأمانة والعصمة والتبليغ والفطانة ويستحيل عليهم أضدادها وهي الكذب والخيانة والكتمان والغباوة ومقارفة ذنب من الصغائر والكبائر كما يجب سلامة أبدانهم من كل منفر طبعا فلا يعتريهم جنون ولا جذام ولا برص ولا عمى ولا غير ذلك مما يؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية وما نقل في الإسرائيليات من ابتلاء أيوب بأنواع البلاء المنفرة فهو باطل لا يعبأ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>