للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معارضته ولا ألف جملة في مناقضته ولا قدر فيه على مطعن صحيح ولا قدح إلا بزند شحيح بل المأثور عن كل من رام ذلك إلقاؤه في العجز بيديه والنكوص على عقبيه.

فإذا ثبت القرآن الكريم ظهر لك معنى قولهم أن القرآن معجزاي لا تقدر العباد على معارضته إذ المعجز الدال على صدق النبي لا يصح دخوله تحت قدرة العباد وإنما ينفرد به الله تعالى ولا يمكن أن يتهيأ لمن كان لسانه غير العربي كالعجم والترك أن يعرفوا إعجاز القرآن إلا أن يعلموا أن العرب قد عجزوا عن ذلك فإذا عرفوا أن العرب قد تحدوا على أن يأتوا بمثله أو بأقصر سورة منه فعجزوا بعد استفراغ وسعهم وبذل جهدهم حينئذ يتحقق لديهم ويثبت عندهم أنهم هم أعجز وكذلك يقال فيمن كان من أهل اللسان العربي إلا أنه لم يبلغ في الفصاحة شأواً يؤهله إلى معرفة أساليب الكلام ووجوه تصرف اللغة فهو كالأعجمي في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن إلا بمثل ما ذكرنا. وأما من قد تناهى في معرفة اللسان العربي ووقف على طرقه ومذاهبه ومارس فنون البلاغة فهو يعرف القدر الذي ينتهي إليه وسع الكلام من الفصاحة ويعرف مايخرج عن الوسع ويتجاوز حدود القدرة فمثل هذا لا يخفى عليه إعجاز القرآن وأسرار دقائقه.

وإليك بعض ما جاء في الأخبار من اعتراف فصحاء العرب بمنتهى فصاحته وإقرارهم بالعجز عن معارضته لاشتماله كما قدمنا على أعلى طبقات البلاغة وأسمى درجات البراعة والبيان. فمن ذلك ما ورد أن الوليد بن المغيرة زعيم قريش في الفصاحة لما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) إلى آخر الآية قال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر.

وقد أخرج البيهقي عن محمد بن كعب قال حدثت أن عتبة بن ربيعة قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل مني بعضها ويكف عنا قالوا بلى يا أبا الوليد فقام عتبة فجلس إلى سول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فيما قاله عتبة وفيما عرض عليه من المال وغير ذلك فلما فرغ قال عليه الصلاة والسلام لأفرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاسمع مني قال افعل فقال عليه الصلاة والسلام (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته) فمضى يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة أنصت

<<  <  ج: ص:  >  >>