للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذاته. ردعها وهي تجوب في مهاوي سدف الغيوم متخلصة إليه سبحانه فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بالاعتساف كنه ومعرفته ولا تخطر ببال أولى الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته وهذا هو معنى التنزيه الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطهير قلوب الخلق وتنقيتها من أوضار الشبه وأرجاس الشكرك.

المخالفة للحوادث هي عبارة عن عدم المماثلة لها فلا يماثله سبحانه شيء من الممكنات مطلقاً لا في الذات ولا في الصفات. ولا في الأفعال فليس سبحانه وتعالى جسماً. لأن الجسم مركب وتحيز. وهو إمارة الحدوث (ولا جوهراً) لأنه عندنا اسم للجزء الذي لا يتجزأ وهو متحيز أيضاً ولا عرضاً لأنه لا يقوم لذاته بل يفتقر إلى محل يقومه فيكون ممكناً ولا محصوراً لأن التصوير من خواص الأجسام يحصل لها بواسطة الكميات والكيفيات وإحاطة الحدود والنهائيات له ولا محدوداً ولا معدولاً ولا متبعضاً ولا متركباً وملا متناهياً لما في ذلك كله من الاحتياج المنافي للوجوب (ولا متميزاً سبحانه بمكان) إذ المكان ما استقر عليه الجسم والحيز هو ما ملئه الجسم فالمكان والحيز من لواحق الأجسام والحق تعالى يستحيل عليه ذلك وأما الاستواء في قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) فليس معناه أنه استواء كاستواء الأجسام بل أستواء يليق به مع كمال تنزيهه سبحانه عن مشابهة كل شيء. أو يؤول الاستواء بالاستياء واضطر الخلف إلى هذا التأويل كما اضطروا إلى تأويل قوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم) حيث كمل على الإحاطة والعلم وقوله عليه السلام قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن الحديث) حيث حمل على القدرة والقهر وقوله على السلام (الحجر الأسود يمين الله في أرضه) حيث حمل على التشريف والإكرام. لأنه لو ترك على ظاهره للذم منه المحال. فكذا الاستواء لو ترك على معنى الاستقرار والتمكن للذم منه المحال أيضاً.

وهذا البحث الذي نحن بصدده يحتاج في بيانه إلى زيادة توضيح ينقع غلة العقل ويشفي رسيس الصدر. ويسمو بالروح ويعلو بالحياة سيكون لنا إنشاء الله مزيد اعتناء في بسطه وتفصيله. توفية لحقه عند البحث على صفة الكلام.

كذلك سبحانه لا يجري عليه زمان، إذ الزمان عندنا اقتران المتجدد بمتجدد آخر فهو نسبة بين الشيئين المتجددين والله تعالى ليس بمتجدد بل سابق على كل شيء من الأشياء