للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفنون.

والفائدة العلمية التي حصلت من إعفاء طالب العلم من خدمة الجندية اقتصرت على تعلم فن النحو الصرف والمنطق مما يكون امتحانهم به ولا نغالي إذا قلنا أنه لا يوجد في كل مائة من المسلمين إثنان ممن يعرفون فرائض صلاتهم وسننها وأحوال مبايعاتهم وتطبيقها على أصول الشرع لتخلص من العقول الفاسدة والمراباة فضلاً عن دقائق علوم الدين في كل فرع من فروع احتياجاتنا الاجتماعية والأخلاقية والسياسية.

إذا قلنا أن الجهل بأحكام الدين وترك العمل به جرا علينا كل ما نشاهده من الرزايا وما يكتنفنا من البلايا وإننا إذا بقينا في هذا السبات العميق ولم ننهض نهضة علمية دينية ونحكم الدين في كل ما يعتورنا من النوائب وما ينتابنا من المصائب لا يعد أن تصبح الممالك الإسلامية أثرا بعد عين بسبب تعصب الأغيار علينا: إذا قلنا ذلك قامت قيامة هؤلاء المتفرنجين المفسدين قائلين إن الدين قاصر على الصلة بين العبد وربه ولا دخل له بالسياسة وأننا بعد ما وصلنا إلى هوة الانحطاط بسبب عدم الأخذ بالمذاهب السياسية الجديدة ينبغي لنا أن نترك الجمود الديني جانباً ونقلد الغرب في كل ما نريد مما فيه صلاحنا ونجاحنا ولو كانوا على شيء من علم الدين لعلموا أن أقوى البواعث على تقهقرنا أمام أوروبا وهو تفرقة كلمة المسلمين وتخاذلهم وعدم وجود صلة تامة بين ملوكهم وأمرائهم عدم الاستعداد للحرب وهما من جملة ما نهى عنه الدين.

بين الله تعالى في آيات كثيرة في كتابه الكريم فوائد الاجتماع والاتفاق وحض عليها وأمتن على المسلمين بأن جعلهم أخواناً بعد التفرقة وشرع من العبادات ما يقوي تلك الرابطة من صلاة الجماعة والجمعة وجعل صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبعين ضعفاً ترغيباً بذلك.

وشرع الحج وجعل من فوائده أن يجتمع بسببه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها ويتذاكرون بما يجب عليهم من التعاون والتعاضد ورفع منار الدين وقمع أعدائه إلى غير ذلك من الفوائد الاجتماعية والأخلاقية وحض القرآن الكريم على الاستعداد فقال جل ذكره (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ومن الاطلاع على سيرة الرسول الأعظم يرى القارئ أنه كان لم يترك شيئاً من الاستعداد

<<  <  ج: ص:  >  >>