للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوظائف الدينية والجهلاء]

كل من يدير الفكر ويدقق النظر وينقب عن محيطنا وما تطرق إلى جميع أبوابه من الخلل والفساد يأخذه الأسف الشديد على هذه الحالة وينفطر قلبه كمداً.

سقطت الهمم وخربت الذمم وطمست معالم الحق وحرفت الشرائع وبدلت القوانين ولم يبق إلا هوى يتحكم وشهوات تقضى وخشونة تنفذ تلك سنة الكون والله لا يهدي كيد الخائنين.

ذهب ذوو السلطة وأعمدة الشر بكل شيء مخالف لنواميس الطبيعة ولحكمة التشريع السماوي وفعلوا ما ينبو عنه العقل القويم وينفر الجميع نفرة السليم من الأجرب.

موهوا أفعالهم بمياه السفسطة وغشوها بأغشية من معادة القوة ليذروا الرماد في عيون نقدة أفعالهم الدنيئة من أرباب الغيرة وأنصار الدين والملة.

كل ذلك ليجعلوا الباطل حقاً والجاهل الغر زعماً منهم بأن الحق إذا وضع اسم الباطل صار باطلاً والجاهل الغر إذا لقب بالعالم صار عالماً تلك لعمري مسألة بديهية البطلان ظاهرة الفساد تدل على خسافة عقول أنصارها وضعف ملكات مروجيها.

والحقيقة متى وجدت سبيلاً تسيلك فيه نسفت التل المركوم وانقضت كالصاعقة على البرج الموهوم فلا غرو أن تدكدك شاهق التمويه ولا تبقي له أثراً فعند ذلك يماط عن الحقائق لحجاب فتبدو بصورتها وهيولاها ذكرنا ذلك لنلج إلى موضوع سبب فشو الجهل والجهلاء ونبوض العلم والعلماء بعد انتظام عقدهم وتلألأ شموسهم إلا فلتعلم الأمة أجمع أن جرثومة هذا الفساد والعقبة الكؤد في طريق العلماء (إسناد الوظائف الدينية لمن لم تتحقق فيه الأهلية) تلك قضية لا خلاف فيها ولا مرية بعدما أصبحت شاهدة ولا دليل بعدها.

إسناد الوظائف لغير أهلها جر علينا الويلات الطامة والبلايا العامة والعار والشنار فمنها تزعزع العلوم والمعارف بعدما كانت متينة الوثاق قوية الركان لا تزيلها العواصف الثائرة ولا الأصوات الناعقة. . ومنها اختلاط الحابل بالنابل والحق بالباطل حتى كاد لا يفرق بين المدلسين المموهين الداء العلم وأعداء الإنسانية وبين العلماء الحقيقيين الذين يستهدى بهديهم ويفرغ من مدلهمات الخطوب وكوارث المسائل إليهم.

ومنها نفرة القلوب عن طلب العلوم والسعي وراء تحصيلها لأن العالم الحقيقي الذي أفنى عمره في طلب العلوم وسهر دياجر الليالي لاقتناء المعارف يكون مضطهداً والجاهل المغتر الذي لا يفهم من العلم وتحصيله سوى الثرثرة والسمسرة إلى أولياء نعمته والتفاني في

<<  <  ج: ص:  >  >>