للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّدق فيهم بأنَّهم لم يَرْووا حديثاً منكراً حتى ما رُوِيَ أنَّ أحداً منهم روى (١) شيئاً من أحاديث الرَّجاء (٢)، ولم ينفردوا بشيءٍ، وأقلُّوا الرِّوايةَ، ولم يُكثروا مع طولِ مُدَّتهم ومخالطتهم وتمكُّنهم، ولم يرووا حديثاًً واحداً فيه نَصٌّ نبويٌّ على إصابتهم في حربهم، وفي دعاويهم، ولا على خطأ عليٍّ عليه السَّلامُ في شيءٍ من الأشياء، مع توفُّر الدواعي إلى ذلك، وطول المدَّة.

فأمَّا ما رواهُ بعضُ البغدادية مِنَ المعتزلة عنهم، وعن أبي هُريرة، وأنسٍ وغيرِهما مِنَ الكِبار والتَّابعين منْ تعمد الكذب، فذلك ما لم يَصِحَّ ولا يُقارِبُ الصحة، ولا يَشْتَغِلُ بمثله أهلُ التَّحصيلِ مِنْ أئِمَّة النَّقل، هذا مع ما رَوَوْهُ مِنْ عموماتِ الثَّناء على أهلِ ذلك العصرِ من الكِتاب والسُّنَّة وقبولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ أسلم في عصره قَبْلَ اختباره، ولم يكتفوا بهذا غيرَ ناظرين إلى قرائنِ الصِّدقِ الخاصة (٣)، ولذلك قال أبو داود في " سننه " (٤) وقد روى حديثاًً عن معاوية، ثم قال: ولم يكن معاويةُ يُتَّهَم في الحديث، ولم يُنْكِرْ هذا القولَ عليه أحدٌ مِنْ أئمة الحديث، ولا رفعوه عن مثل هذا


(١) في (ش): حتى إن أحداً منهم ما روى.
(٢) في (ب): " الرِّجال "، وهو خطأ.
(٣) في (ش): والخاصة.
(٤) (٤١٢٩) من طريق هناد بن السري، عن وكيع، عن أبي المعتمر، عن ابن سيرين، عن معاوية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تركبوا الخزَّ ولا النِّمار ". قال: وكان معاوية لا يتهم في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
والخز: الحرير الخالص، والنمار جمع نمر، والمشهور في جمعه النمور، وفي " القاموس " تصريح بأن النمار في معنى النمور صحيح، والمراد جلود النمار.
وقوله: " قال ": فاعل " قال " إما أن يكون ابن سيرين راويه عن معاوية، أو إلى أبي داوود.
والنهي عن ركوب جلد النمور إما لأنَّه لا يطهر بالدباغ، وإما لما فيه من الزينة والخيلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>