للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّقل يختلفون في التصحيح، فهو مثلُ مذاهب العلماء في الفُروع الاجتهاديَّة والمضطربات الظنية، ألا ترى أنَّ حُكْمَهمْ بأنّ الرجُل حافظٌ، أو سيىءُ الحفظ، أو صدوقٌ، لا يصحُّ أن يُبنى إلاَّ على الظَّنِّ والاجتهاد؟ ولذلِكَ كان قبُولُ المرسل مِمَّنِ أرسله ضعيفاً عندهم، لأنَّه على الحقيقة تقليدٌ له في تصحيح ما ظن صحته، وتقليدُ العلماء بعضهم لبعض مما (١) يبنى عليه الاجتهادُ لا يجوز كما أوضحته في علوم الحديث (٢).

وقد مرَّ الجوابُ على السيد حين زعم أنَّ جميعَ ما في الصَّحيح مُجْمَعٌ على صحته عندَ المحدِّثين، وكيفَ يصحُ ذلك والبخاري يخالِفُ مسلماً في تصحيح ما اكتفي فيه بالمُعَاصرَةِ (٣)، وفي كثيرٍ من رجاله، ومسلم كذلك يُخَالِفُ البخاريَّ في بعض رجاله؟

وقد ذكر ابن حجر في مقدمة "شرح البخاري" ما اعترض على البخاري، وخُولفَ في تصحيحه مِمَّا في صحيحه، فذكر أكثَرَ مِنْ مئة حديثٍ، وذكر أيضاً مَنْ خُولِفَ البخاريُّ في توثيقه من رجاله، فذكر خلقاً كثيراً، وذكر ما يسوغُ مخالفتُه فيه من قواعده، كمخالفته في تصحيح حديث عِكرِمَة، فقد خالفه في ذلك مالِكٌ، ومسلمٌ صاحبُه، وجِلَّة مِنْ أئمَّة التَّابعين لا يأتي عليهمُ العَدُّ. وكذلِكَ قبولُ العَنْعنَةِ عَنْ بعضِ المدلِّسين في بعض المواضع، وهذا معلومٌ من مذاهب المحدِّثين بالضرورة لمَنْ بحث، ولذلك ترى الحاكم ابنَ البَيِّع أحدٌ أئِمَّة الشيعة، وأئمة الحديث يُنَاقِشُ الشيخين في كتابه "المستدرك"، ويذكر علَّتهما في ترك


(١) في (ش): فيما.
(٢) انظر "التنقيح" مع "التوضيح" ١/ ٣٠٤ و٣٠٩.
(٣) والخلاف بين البخاري ومسلم في هذا إنما هو في الحديث المروي بالعنعنة، أما ما كان بنحو حدثنا، فهو ومسلم سواء فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>