للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخبارٌ بالعزم، ولم يُخْبِرْ بالنَّدم، ولا بأنَّه فعل ذلِكَ لأجل قبْحِ المعصية، فَمِنَ الجائز أنَّه فعل ذلِكَ لئَلاَّ يغْضَبَ عليه رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا وأمثالُه مِنَ التَّجويزات الباردة الّتي لا تقبلُها قُلُوبُ الفُضَلاء، ولا تتمكَّنُ في نفوسِ أهلِ التَّقوى ممّا لا يقدح في توبَةِ التّائبين، فإنّا لو فتحنا هذا البابَ، لم نَحْكُمْ بتوبَةِ أكثَرِ الصَّحابَةِ مِنْ محضِ الكُفر.

وعبد الله بن عمرو كانَ من عُبَّادِ الصَّحابة، وقد كان يقوم اللَّيْل كُلَّه، ويصومُ الدَّهر، ويَخْتِمُ في كُلِّ يومٍ ختمةً حتَّى نهاهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وأمره بالرِّفْقِ بنفسه، وقال (١). " صُمْ منْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثاً " (٢)، فقال: أنا أقوى مِنْ ذلِك، فما زال يُنَازِلُهُ حتى قال له: "صُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ


= يقصد إلى رجل مِنَ المسلمين قَصَدَ له فقتَلَه، وإنَّ رجلاً من المسلمين قَصَدَ غَفْلَتَه، قال: وكُنَّا نُحَدّثُ أنَّه أسامةُ بن زيد، فلمَّا رَفَعَ عليه السيفَ، قال: لا إلهَ إلا اللهُ، فقتَلَه، فجاءَ البشيرُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فسأله، فأخبره، حتى أخبره خبرَ الرجلِ كيف صنَعَ، فدعاه، فسأله، فقال: " لِمَ قَتَلْتَه "؟ قال: يا رسولَ الله أَوْجَعَ في المسلمين، وقَتَل فُلاناً وفلاناً، وسمَّى له نَفَراً، وإني حَمَلْتُ عليه، فلمَّا رأي السيفَ، قال: لا إله إلا الله، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " أقتلتَه؟ " قالَ: نعم، قال: " فكيف تصنعُ بلا إله إلا الله إذا جاءت يومَ القيامةِ؟ " قال: يا رسولَ اللهِ، استغفرْ لي، قال: " وكيف تصنعُ بلا إله إلا اللهُ إذا جاءت يومَ القيامةِ؟ " قال: فجعلَ لا يزيدُه على أن يقول: " كيفَ تَصنعُ بلا إلهَ إلا الله إذا جاءت يوم القيامةِ؟ ".
وأورد الذهبي في " السير " ٢/ ٥٠٥ من طريق ابن إسحاق، حدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة، عن أبيه، عن جده أسامة، وفيه: فقلت (القائل أسامة): إنِّي أعطي الله عهداً ألا أقتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله أبداً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " بعدي يا أسامةُ؟ " قال: بَعْدَكَ.
ونقل الحافظ في " الفتح " ١٢/ ١٩٦ عن ابن بطال قال: كانت هذه القصة سببَ حلف أسامة أن لا يقاتل مسلماً بعد ذلك، ومن ثم تخلف عن علي في الجمل وصفين.
قلت (القائل ابن حجر): وكذا وقع في رواية الأعمش المذكورة " مسلم (٩٦) " أن سعد بن أبي وقاص كان يقول: لا أقاتل مسلماً حتى يقاتله أسامة.
(١) في (ش): وقال له.
(٢) في (ش): ثلاثة أيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>