للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذِهِ حالُهُ إذا قارف ذنباً على جهة التّأويل، ثم عَلِمَ قُبْحَهُ، فأسرع إلى مفارقة ذنبه، فاستمرَّ على نحيبه حتَّى ماتَ، كيف (١) يقال إنَّه مُصِرٌّ على محضِ الفُسوقِ (٢)، خارجٌ من ولاية الله تعالى، ولو قدَّرنا أنّها لم تصحّ توبتُه، بل إنَّه استمرَّ على المعصية، لكان مقبولاً في الرِّواية، فإنّه من المتديِّنين المتأوِّلين، وهو نظيرُ السَّجَّاد ابن طلحة بنِ عُبَيْدِ الله الذي قال فيه عليٌّ عليه السلام: قتله بِرُّهُ بأبيه (٣).

الوهم الثالث عشر: قال: ومنهم أبو موسى الأشعري نَزَعَ علياً الّذي ولّاه الله ورسوله، إنَّه على الله لجريءٌ، وأقام معاوية بن أبي سفيان القدري.

أقول: أمّا نزعُهُ لعليٍّ عليه السلامُ فصحيحٌ عنه، وقبيحٌ منه.

وأمَّا قوله: إنَّه أقام معاوية، فوهمٌ فاحشٌ، لا يجهلُه مَنْ لَهُ أدنى


(١) ساقطة من (ب).
(٢) في (ش): الفسق.
(٣) هو محمد بن طلحة بن عبيد الله، لُقب بالسَّجَّاد لعبادته وتألهه، وُلد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقُتِلَ يوم الجملِ وهو شابٌ.
قال مصعب الزبيري في " نسبِ قريش " ص ٢٨١: وكان طلحةُ أَمرَهُ يوم الجمل أن يتقدمَ باللواء، فتقدمَ ونثل درعه بينَ رجليه، وقام عليها، فجعل كلما حمل عليه رجلٌ، قال: نشدتُك بـ " حم "، فينصرفُ الرجلُ عنه حتى شدَّ عليه رجلٌ من أسد بن خزيمة يقال له: جرير، فنشده محمدٌ بـ " حم "، فلم يَثنِه ذلك، ففي ذلك يقولُ الأسدي:
وأشعثَ قوَّامٍ بآيات ربِّه ... قليلِ الأذَى فيما تَرَى العينُ مُسلِم
ضَمَمتُ إليه بالسِّنانِ قميصَه ... فخَرَّ صَرِيعاً لليَدَيْنِ وللفَمِ
على غيرِ شيءٍ غيرَ أنْ ليس تابعاً ... علياً ومنْ لا يتْبَع الحقَّ يُظلم
فذكَّرَني حاميم والرمحُ شاجرٌ ... فهَلاَّ تلا حاميمَ قبل التَّقَدُّمِ
فمر به علي رضي الله عنه في القتلى، فقال: السَّجَّاد وربِّ الكعبة، هذا الذي قتله بِرُّ أبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>