للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه إيهامُ قبح (١) الجدل مطلقاً، وليس كذلك، فإنّ الجدل عَنِ الحقِّ مما وصف اللهُ به أنبياءَه وأولياءه، وأمر به رسولَه - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحِكمَةِ والمَوْعظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ} [النحل: ١٢٥]، وقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} [العنكبوت: ٤٦]. إنَّما القبيح المِراءُ، وهو ما يَغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّه يُهِيجُ الشَّرِّ، ولا يَقْصِدُ به (٢) صاحبه إلاَّ حظَّ نفسه في غلبة الخُصوم. وقد يَشْتَمِلُ الجَدَلُ على ألفاظٍ بشعة، فلا بقْبُحُ مع الحاجةِ إليها، وحسْنِ (٣) القصد فيها، كما قال تعالى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات} [هود: ١٣]، وكما حكى من أقوالِ الكفار، كقول أهل الكتابين: إنَّ عزيراً ابنُ الله، وإنّ المسيح ابن الله، وإن الله ثالثُ ثلاثة، وإنَّ الله فقيرٌ، تعالى عمَّا يقولون عُلُوَّاً كبيراً.

وقال شيخُ الإِسلام، ناصِر السنةِ، أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد الأنصاري الحنبلي في كتابه الشهير بـ " منازلِ السائرين إلى اللهِ تعالى " (٤) في باب المعرفة: إنَّ الدرجة الأولى منها (٥) معرفةُ النعوت والصِّفات التي


= التعصبُ لترويج المذاهب الكاسدة، والعقائد الزائفة، لا المناظرة لإظهار الحقِّ، واستكشاف الحال، واستعلام ما ليس معلوماً عنده، أو تعليم غيره ما عنده، لأنَّه فرضُ كفاية خارج عما نطق به الحديث.
(١) تحرف في (أ) إلى: إبهام فتح.
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) في (ش): ولحسن.
(٤) ٣/ ٣٤٥ مع شرحه " مدارج السالكين " للعلامة ابن القيم. وانظر ترجمة أبي إسماعيل الأنصاري في " السير " ١٨/ ٥٠٣ - ٥١٨.
(٥) في (ش): فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>