للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، وفي سُنَّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يَحْمِلْ ذلِكَ على الجارحةِ المركَّبة مِنَ اللّحْم، والدَّم، والعظم، والعَصَب في الجسم المخصوص، ولا على اليَدِ المستعارة مِنْ نحو القُدْرَةِ، والنِّعمة، وما أشبهه، وأن يعتقِدَ أنّ اليَدَ صِفَةٌ لذي الجلال والإكرام، لا تتكيَّف للمخلوق، ولا يعْلَم كنهُ حقيقتها (١)، وليس عليه في ذلِكَ تكليف أصلاً، وكذلِكَ سائر صفاتِ الله تعالى الواردة في كتابه، وعلى لسانِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله: فإن خَطَرَ له أنّه لم يرد هذا المعنى، فما المعنى؟ فينبغي أن يَعْلَمَ أنَّ ذلِكَ لم يُؤْمَرْ به، بل أُمِرَ أن لا يخوضَ فيه، فإنه ليس على قدر طاقته، وأنّ ذلِكَ ليس بِعُشِّكَ فادْرُجْ (٢)، واشْتَغِلْ بعبادتِكَ أو حِرْفَتِك (٣)، واسْكتْ، فقد خفَّفَ الله عنك.

الوظيفة الثانية: الإِيمانُ والتصديق: وهو أن يَعْلَمَ قطعاً أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في وصف الله تعالى بذلك صَادِقٌ (٤) وليقل: آمنّا وَصدَّقْنَا.


(١) قال ابن القيم في " المدارج " ٣/ ٣٥٩ تعليقاً على قول الهروي: " والإياس من إدراك كنهها وابتغاء تأويلها " يعني أن العقل قد يئس من تعرف كُنه الصفة وكيفيتها، فإنه لا يَعْلَمُ كيفَ الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف: " بلا كيف "، أي: بلا كيف يعقله البشر، فإن مَنْ لا تُعلمُ حقيقةُ ذاتِهِ وماهيتُهُ كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟ ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، وصرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم، فكيف يطمع العقلُ المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفية من له الكمال كله، والجمال كله، والعلمُ كله، والقدرةُ كلها، والعظمة كلها، والكبرياء كُلُّها.
(٢) اقتباس من المثل: " ليس هذا بعشِّكِ فادْرُجي " وفسره الأصمعي وغيره كما في " فصل المقال " ص ٤٠٣: أي: ليس هذا من الأمر الذي لك فيه حق، فدعه، وقد يضرب مثلاً للرجل ينزل المنزل لا يصلح له.
وقال الميداني في " مجمع الأمثال " ٢/ ١٨١ أي: ليس هذا من الأمر الذي لك فيه حق، فدعيه، يقال: درج أي: مشى ومضى، يُضرب لمن يرفع نفسه فوق قدره.
(٣) في (ش): بحرفتك.
(٤) في (ب): " صادقاً "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>