للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدٍ، ولهذا قلنا: إِنَّ أدلَّة القرآن جليَّةٌ سابقة إلى الأفهام، ألا ترى أنَّ (١) منْ قدر على الابتداءِ، فهو على الإعادة أقدر {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: ٢٧]، وأن التَّدبيرَ لا ينتظمُ في دارٍ واحدة بمدبرَيْنِ، فكيف ينتظِم في جميع العالم؟ وأن من خلق عَلِمَ ثُمَّ خَلَقَ (٢)، كما قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤]، فهذه أدلَّةٌ تجري مجرى الماء الَّذِي جعل الله منه كلَّ شيْءٍ حيّ، وما أحدثه المتكلِّمُون وراء ذلك من تنقيرٍ، وسؤالٍ، وإلزامٍ، وتوجيه إشكال، ثمَّ اشتغال بحلِّه، فهو بدعةٌ، وضررُه في حقِّ عمومٍ الخلق بَيِّنٌ بالمشاهدة (٣) والتجرِبة، وما أثار مِن الفتن (٤) بَين الخلق منذ نَبَغَ المتكلمون، وفشا صناعةُ الكلام، مع سلامة العصر الأول مِنَ الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين (٥) عن ذلك، ويدلُّ عليه أيضاًً: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه بأجمعهم ما سلكوا في المُحَاجَّةِ مسلكَ المتكلِّمين في تقسيماتهم وتشطيحاتهم، لا لعجز منهم عن ذلك، ولو علموا (٦) أنَّه نافع، لأطنبُوا فيه، ولخاضوا في تحرِّي الأدلَّة خوضاً يَزِيدُ على خوضهم في مسائلِ الفرائضِ، ولقد صدق أبو يوسفُ رحمه الله تعالى في قوله: مَن (٧) طلب الدينَ بالكلام (٨) تزندق.


(١) " أن " ساقطة من (ش).
(٢) في (ش): علمه.
(٣) ساقطة من (ش).
(٤) في (ت): وأما آثار الفتن.
(٥) ساقطة من (ش).
(٦) في (ش): ولو علمه الله تعالى.
(٧) ساقطة من (ش).
(٨) في (ش): في الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>