للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالفة لسنة السلف، لا كخوض الفقهاء في التفاريع، فإنَّ ذلك -وإن كان محدثاً- فليس فيما نقل عن السلف زجرٌ عن الخوض فيه، بل نقل عنهم الإمعان في الخوض في مسائل الفرائض، فعرف جواز الخوض فيه.

وأما ما أُبدع من فنون المجادلات، فهو بدعةٌ مذمومةٌ عند أهل التحصيل، وذلك أن ما يشوِّشُهُ الجدل (١) أكثرُ مما يمهِّده، وما يفسدُهُ أكثر ممَّا يصلحه، والجدل يضاهي (٢) ضرب الشجرة بالمدَقَّة من الحديد رجاء تقويتها، وهو يكسر (٣) أجزاءها ويفسدها، والمشاهدة تكفيك في هذا بياناً، وناهيك بالعيان برهاناً، فَقِسْ (٤) عقيدة أهل الدين، والصلاح والتقى من عوام الناس، فضلاً عن خواصِّهم بعقيدة المتكلمين والمتجادلين، فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ، لا تحركه الصواعق، وعقيدة المتكلم الحارس عقيدته بتقسيمات (٥) الجدل كخيطٍ مُرسل في الهواء تُفيئه الريحُ مرة هكذا، ومرة هكذا.

قلت: إنما يعني (٦) هذا الجنس الخاصَّ من العامة، وهم أهل التقوى، والصلاح، والتمييز إذا شكك عليهم في جنسٍ مخصوصٍ من العقائد، وهو المعلوم من الدين بالضرورة من ثبوت الرب سبحانه، وصفات الكمال له، وثبوت (٧) النبوة، ونحو ذلك، ولم يُرد أنَّ جميع العوام لا يشكون في دقائق العقائد، فإنهم لم يثبتوها أوَّلاً، فكيف لا


(١) في (ج): الجدال.
(٢) في (ش): أيضاً هي.
(٣) في (ش): وهي تكسر.
(٤) في (ج): ففسر.
(٥) في (ش): تقسيمان.
(٦) في (ب): معنى.
(٧) " ثبوت " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>