للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لادعيناه في مقام آخر، وذلك أنا نقول: أما تقدير أن القرآن من كلام الملائكة، فغفلةٌ فاحشةٌ، لأن الملائكة اسمٌ موضوعٌ في التقدير لمن لا يصدُرُ عنه الكذب، وأما تقديرُ أنه من الجن، فهو بمعنى (١) تقدير أنه من كلام الشياطين، لأنهم هم مردة الجن وفسقتهم، ونحن نعلم بالضرورة العادية أن فسقة الشياطين ومردتهم لا يعتنون في ظهور مثل القرآن الكريم لما فيه من نقضِ مقاصدهم في الفساد، فإنَّ العمل بمقتضاة بإجماع العُقلاء من المسلمين وغيرهم من أعظم أسباب الصلاح، وحسم مواد الفساد، فإنَّه اشتمل (٢) على النَّهي عن الظُّلم، والعُدوان، والبغي، واللهو واللعب، والغفلة، وسائر أسباب الشر، والأمر بالبر، والإحسان، والعفو والرحمة، والرفق، والتعاون على الخير، وفعل جميع أسباب الخير، مع ما فيه من سبِّ الشياطين، ولعنهم، وتبكيتهم (٣)، فكيف يجوز أنه منهم، وقد ثبت بالبراهين الصحيحة العقلية أنه لا يقع الفعل من القادر بمجرد قدرته عليه؟ ولذلك أجمعت المعتزلة على امتناع صدور القبائح من الله مع قدرته عليها، وإذا تقرَّر ذلك، فمنتهى الأمر أنا نُجوِّزُ قدرة الشياطين على ذلك -وحاشا وكلاّ- فليس لهم داعٍ إليه البتَّة، بل الصَّوارِفُ لهم عنه معلومةٌ بالضرورة من دون مُعارض، وقد نطقت النصوص القرآنيةُ بالردِّ على من زعم ذلك، وأشارت إلى الوجه الأول، أو إلى الوجهين (٤) معاً، قال الله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢]،


(١) في (ب): لمعنى.
(٢) في (ش): أشمل.
(٣) في (ش): وتكذيبهم.
(٤) في (ش): والوجهين.

<<  <  ج: ص:  >  >>