للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اعترض بعضُ غُلاة (١) المتكلمين من أهل العصر على أهل الأثر بأنه إنما قال بذلك من هو جامِدُ الفطنة مثل مالكٍ، وبُلْهِ المحدثين، لقلَّةِ ممارستهم للعلوم، واقتصارهم على فنِّ الحديث، وكلامه هذا من فضلات الكلام المؤذي الذي ليس تحته أثارةٌ من علم، وقد قصد به ذم المحدِّثين كلِّهم، ووصمهم (٢) بالبَلَهِ، لأن القول الذي نسبه إلى البُله منهم هو قول جلتهم وأئمتهم (٣)، ولأنه صرح بنسبة البله إلى إمامهم: إمام دار الهجرة النبوية المُجمع على إمامته وورعه واجتهاده، ذلك شيخ الإسلام الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، فكيف بمن دونه منهم، ولأنه علَّل ذلك بعلةٍ تعُمُّهم، وهي ترك (٤) ممارسة علوم أهل النظر والجدل، فينبغي تأديبُه على هذه الكلمات المؤذية الزائدة على القدر المحتاج إليه من عبارات المتناظرين في طلب المعرفة، وذلك بذكر بضعة عشر وجهاً على سبيل التَّقريع والتَّأديب:

الأول: أن عادة أهل العلم والفضل، وأهل الإسلام والخلف والسلف، وأهل البدع والكلام، وأهل كتب المقالات في الملل والنِّحل، كلهم استمرت على نسبة الأقوال إلى أهلها من غير زيادة سخريةٍ، ولا غمصٍ، ولا أذى (٥)، ولا استهانة، مُنَزِّهين لألسنتهم عن خَبَثِ (٦) السَّفه، ولمصنفاتهم عمَّا يدلُّ على قلة التمييز والمناصفة، فترى


(١) ساقطة من (ب).
(٢) في (ش): ووصفهم.
(٣) " وأئمتهم " ساقطة من (ج).
(٤) في (ش): تركهم.
(٥) في (ش) ازدراء.
(٦) في (ش): من حيث.

<<  <  ج: ص:  >  >>