للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك على الظن، كالمؤيد بالله، وأبي القاسم، وأشار إليه الرازيُّ في وصيته (١)،


(١) ذكر هذه الوصية ابن أبي أصيبعة في " عيون الأنباء " ٢/ ٢٧ - ٢٨، والذهبي في " تاريخ الإسلام " الطبقة (٦١) وفيات (٦٠٦) هـ، والسبكي في " طبقاته " ٨/ ٩٠ - ٩٢.
ونص الوصية: يقول العبد الراجي رحمة ربه، الواثق بكرم مولاه محمد بن عمر بن الحسين الرازي، وهو أول عهده بالآخرة، وآخر عهده بالدنيا، وهو الوقتُ الذي يلين فيه كلُّ قاسٍ، ويتوجَّه إلى مولاه كلُّ آبق: أحمدُ الله تعالى بالمحامدِ التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات معارجهم، ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات شهاداتهم، وأحمده بالمحامد التي يستحقها، عَرَفتُها أو لم أعرفها، لأنه لا مناسبة للتراب مع ربِّ الأرباب، وصلاته على الملائكة المقربين؛ والأنبياء، والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين.
ثم اعلموا إخواني في الدين، وأخلائي في طلب اليقين أن الناس يقولون: إن الإنسان إذا مات، انقطع عملُه، وتعلُّقُه عن الخلق، وهذا مخصص من وجهين: الأول: إن بقي منه عمل صالح صار ذلك سبباً للدعاء، والدعاء له عند الله أثر، الثاني: ما يتعلق بالأولاد وأداء المظالم والجنايات.
أما الأول: فاعلموا أنني كنتُ رجلاً مُحباً للعلم، فكنتُ أكتب في كل شيء شيئاً، لأقف على كميته وكيفيته، سواء كان حقاً أو باطلاً، إلاَّ أن الذي نظرته في الكتب المعتبرة أن العالم المخصوص تحت تدبير مدبِّرٍ مُنَزَّهٍ عن مماثلة المتحيِّزات موصوفٍ بكمال القدرة والعلم والرحمة، ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدةً تُساوي الفائدة التي وجدتُها في القرآن، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلالة لله، ويمنع عن التعمُّق في إيراد المعارضات والمناقضات، وما ذاك إلاَّ للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفية، فلهذا اقول: كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده، ووحدته، وبراءته عن الشركاء في القدم، والأزلية، والتدبير، والفعالية، فذلك هو الذي أقولُ به، وألقى الله به.
وأما ما انتهى الأمرُ فيه إلى الدقة والغموض، وكلُّ ما ورد في القرآن والصحاح المتعين للمعنى الواحد، فهو كما هو، والذي لم يكن كذلك أقول:
يا إله العالمين، إني أرى الخَلق مطبقين على أنك أكرمُ الأكرمين، وأرحم الراحمين، فلك ما مدَّ به قلمي، أو خطر ببالي، فأستشهد وأقول: إن علمت مني أني أردتُ به تحقيق باطل، أو إبطال حقٍّ، فافعل بي ما أنا أهله، وإن علمت مني أني ما سعيتُ إلاَّ في تقرير اعتقدتُ أنه الحق، وتصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي، فذاك جُهدُ المُقِلِّ، وأنت أكرم مِن أن تضايق الضعيف الواقع في زَلة، فأغثني، وارحمني، واستر زلتي، وامحُ حوبتي، يا من لا يزيدُ ملكَهُ عِرفانُ العارفين ولا ينقص ملكُه بخطأ المجرمين، وأقول: ديني متابعة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكتابي القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما، اللهم يا سامع الأصوات، ويا مُجيبَ الدعوات، ويا مُقيلَ العَثَرات، أنا كنتُ حسنَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>