للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذهن، فإنَّ من قال: إن لها وجوداً في الخارج، أو لا وجود لها فيه، بل هي معدومةٌ، أو قال: لا يُوصَفُ بواحدٍ منهما، لم يستحق الكفر سواء كان خطأ معلوماً بالضرورة أم لا، ما ذلك إلاَّ لأن السمع لم يرد في ذلك بأمر يكون رادُّه مكذباً له، فتأمل ذلك.

فإذا تقرَّر ذلك، فاعلم أن أبعَدَ الناس من الكفر من عظَّم السمع وعظَّم الإيمان بما فيه مع (١) البُعد من التمثيل والتشبيه، وإن اطلع أهل الأنظار العقلية على غَلَطِه أو رِكَّةِ بعض أدلته، فقد يكون إيمان بعض المؤمنين صحيحاً مؤمناً له من عذاب الله، مُقَرِّباً له من الله، ويكون عليه في تَصَرُّفِه في النظر والاستدلال مؤاخذاتٌ لا سيما في العبارة، وذلك لعدم ارتياضه (٢) على تهذيب العبارات، وقلَّة دريته بتحرير المقدِّمات، لا لضعف إيمانه، ولا لضعف دليله، وقد يوردُ المتحذلِقُ في علم (٣) الجدل الشُّبَهَ، فيكسوها من حسن الترصيف، وجودة الترتيب ما يُموِّهُ به على كثير من المتعاطين لعلم النظر، والمنقطعين في فنِّ الكلام، فإيَّاك والاغترار بذلك، فإن أكثر المعاني المشوَّهة تُسْتَرُ بالعبارات المموّهة.

الوجه الثاني: أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلاَّ سمعياً قطعياً ولا نزاع في ذلك، وإنَّما النزاع في بعض الأدِلَّةِ على التكفير، هل هو قاطعٌ أم لا؟، وأنت إذا عَرَفْتَ معنى القاطع، عرفتَ الحقَّ في تلك الأدلة المعينة.

واعلم أن القطعَ لا بُدَّ أن يكون من جهة ثبوت النصِّ الشرعي في


(١) في (ش) و (د): من.
(٢) تحرفت في (ش) إلى: ارتباطه.
(٣) في (د): لعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>