للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنقول: إنَّه لا يتحققُ تصريحُ أحدٍ من السلف بشيءٍ، من ذلك، فكيف يُدَّعى العلمُ بتصريحِ كلٍّ منهم بذلك، بل لا يتحققُ إجماعُ كُلِّ طائفة من هؤلاء المختلفين على تكفيرِ خصومهم، لأنَّ التنصيصَ على كفرهم إنما كان في الأعصار المتأخرة بعد انتشار الإسلام، وتباعد أقطاره، وتبايُنِ أطرافه، واتِّساع مملكته، وقد مَنَعَ جماعةٌ جِلَّةٌ من المحققين (١) من تَحَقُّقِ الإجماع بعد ذلك، منهم الإمامانِ المنصورُ بالله والمؤيد بالله يحيى بنُ حمزة من أئمَّة الزيدية، والرازيُّ من أئمَّة الأشعرية، والجاحظ من أئمَّة المعتزلة، وأحمدُ بنُ حنبل من أئمة أهل السنة، ومن لا يأتي عليه العَدُّ، واحتجُّوا بما لا يَخْفَى على مميِّزٍ من تَعَذُّرِ العلمِ القاطع بمعرفة أعيانهم فضلاً عن أقوالِهم، وكيف يتصوَّرُ العاقلُ أنه يُمْكِنُه العلمُ القاطع بالإجماع، وهو نَقْلٌ مَحْضٌ لا يدخُلُه الاستدلال، وإنما تدخلُه الضرورةُ، فإذا بَطَلَتْ، كان ظنياً، والعلم الضروري بالإجماع يحتاجُ إلى العلمِ الضروريِّ بانحصار العلماء، بل بانحصار المسلمين ثم تواتر النصِّ الذي لا يحتملُ التأويلَ عن كلِّ فَرْدٍ منهم، وإنما قلنا: بل بانحصارِ المسلمين (٢) لأنَّ إجماع العُلَماءِ دون العامةِ حجَّةٌ ظنيةٌ مختَلَفٌ فيها بين العلماء، لأنَّ ظاهر أدلَّة الإجماع يشمَلُ العامة، فإخراجُهم إنَّما كان بدليلٍ ظني وهو عَدَمُ علمِهم بالمسألة، وعدمُ تكليفهم بها، ومن أدخلَهم يقول: لهم طريقٌ إلى الموافقة بالتقليد عند الجمهور، وبالاجتهاد عند البغدادية، فإذا لم يُقَلِّدوا وَجَبَ عليهم الاجتهاد، أقصى ما فيه أن يجوز ضلالُ العامة بعدم التقليد، وضلالُ العُلَماءِ بخطأ الدليل،


(١) في (د): المتكلمين.
(٢) من قوله: " ثم تواتر " إلى هنا ساقط من (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>