للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والله نفسُك، إنَّه لا يقتلُك بالسيف، إنه قد آلى، إن لم تجبه، أن يضربك ضرباً بعد ضربِ، وأن يقتُلك في موضع لا يُرى فيه شمسٌ ولا قمر. أليس قد قال الله تعالى: {إنَّا جعلناه قُرآناً عربياً} [الزخرف: ٣] أفيكون مجعولاً إلاَّ مخلوقاً؟ فقلت: فقد (١) قال الله تعالى: {فجعلهم كعصفٍ مأكُولٍ} [الفيل: ٥] أفخلَقَهم؟ فسكت فلمَّا صِرْنا إلى الموضع المعروف بباب البستان، أخرجت وَجِيءَ بدابةٍ، فأركبت وعليَّ الأقياد، ما معي من يُمسِكُني، فكدت غير مرة أخِرُّ على وجهي لثقل القيود. فجيء بي إلى دار المعتصم، فأدخلت حجرة، ثم أُدخلت بيتاً، وأقفل الباب علي في جوف الليل ولا سراج، فأردت الوُضوء، فمددت يدي، فإذا أنا بإناءٍ فيه ماءٌ، وطستٌ موضوع فتوضَّأتُ وصلَّيتُ.

فلمَّا كان من الغد، أخرجت تِكَّتي، وشددت بها الأقياد أحملها وعطفت سراويلي. فجاء رسول المعتصم، فقال: أجب فأخذ بيدي، وأدخلني عليه، وإذا (٢) هو جالس، وأحمد بن أبي دُوَاد حاضرٌ، وقد جَمَعَ خلقاً كثيراً من أصحابه، فقال لي المعتصم: ادنُهْ ادنُهْ، فلم يزل يُدنيني حتى قرُبتُ منه، ثم قلت: أتأذن في الكلام؟ قال: تكلَّم، قلت: إلى ما دعا الله ورسوله؟ فسكت هُنيهةً، ثم قال: إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، قلت: فأنا أشهد أن لا إله إلاَّ الله، ثم قلت: إن جدك ابن عباس يقول: لما قَدِمَ وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سألوه عن الإيمان، فقال: " أتدرون ما الإيمان؟ " قالوا: الله


(١) في (ب): قد.
(٢) في (ب): فإذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>