للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلمه ضعفاء البشر، وجُهَّالُهم، وكفي بهذا شناعة على من يقول به، ومناقضة لقولهم: إن الاختلاف ثابثٌ في العدم (١) غير مُدرَكٍ فيه.

وعلى الجملة، فالعلم الضروري حاصل باختلاف البشر في الإدراك، تارة لأمرٍ يرجع إلى قوة الحاشة، مثل ما رُوِيَ عن الزرقاء (٢) في حدة بصرها، ومثل ما يشاهد في رؤية الهلال، وأمثال ذلك، وتارة يرجع إلى كثرة المعرفة والخبرة وطول التجربة، مثل ما أن الجوهرى يعلم من اختلاف الجواهر النفيسة والفصوص الثمينة ما لا يعرفه من يُشاهدُها متماثلةً مع صحة بصره لعدم خبرته، وكذلك الصيرفي النَّقَّادُ (٣) يدرك التفاوت العظيم بين الدرهمين المُتماثلين في بصرِ من لا يُحسِن صنعته، بل البهائم تدرك من اختلاف صور أولادها المثماثلة في أبصارنا ما لا ندرك، خصوصاً الشاة والماعز، وكذلك الرعاة (٤) تُدرِكُ من اختلاف صور الشاة ونحوها (٥) ما لا يدرك غيرُهم، وهذا (٦) شيء يعلمه العامَّة،


(١) في (ب): القدم.
(٢) هي زرقاء اليمامة، واليمامة اسمها، وبها سُمِّيَ البلد، وهي امرأة من جديس وكانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام، ويُضرب بها المثل في حدة النظر وجودة البصر، وهي التي ذكرها النابغة في قوله:
واحكمْ كحكمِ فتاةِ الحيِّ إذ نَظَرَتْ ... إلى حَمَامٍ شِراع وارد الثَّمَدِ
يحفُّه جانبا نيق وتتبعُه ... مثل الزجاجة لم تكحل من الرَّمَدِ
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامَتنا أو نصفه فَقَدِ
فحسّبوه فألفَوْه كما ذكرتْ ... تِسعاً وتسعين لم تَنْقُص ولم تَزِدِ
ويقال لها: زرقاء جو لزرقة عينيها، وجو اسم لليمامة، قال المتنبي:
وأبصر من زرقاء جوٍّ لأنني ... إذا نظرت عيناي شاءهما علمي
انظر " المستقصى " ١/ ١٨، و" مجمع الأمثال " ١/ ١١٤، و" خزانة الأدب " ١٠/ ٢٥٤ - ٢٥٥ و٤٨٥.
(٣) ساقطة من (ب).
(٤) في (ب): وكذا الرِّعاء.
(٥) ساقطة من (ش).
(٦) في (ب): هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>