للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما ذلك كما اصطلحوا على أن الموجود مثل المعدوم من الجواهر، لا أن هذه لغاتٌ عربية.

وكذلك فعل أعداء الجميع من الباطنية. ألا ترى أن الباطنية يُسَمُّون حقائق مدح الرب سبحانه بأسمائه الحسنى تشبيهاً وتمثيلاً وكُفراً وشركاً، ويجعلون تلك الممادح الشريفة بمنزلة السبِّ والذم لله تعالى، حتى يصُوغَ لهم تأويلها على ما شاؤوا (١)، وصرفها إلى أئمتهم دون الله تعالى، وكذلك مَنْ نفي حقيقة التمدح بأسماء الله الرحمن الرحيم خير الراحمين أرحم الراحمين (٢)، وكذلك اسمه الرؤوف، واسمه الودود، واسمه الحليم، بالَّلام عند المعتزلة، واسمه الحكيم، بالكاف عند الأشعرية، إلى أمثال لها (٣)، لا دليل لهم عند البحث التام على ذلك إلاَّ مجرد اصطلاحات في العبارات تواطؤوا عليها، ومن أحبَّ كشف عوارهم في ذلك، لم يقلِّدهم في شيءٍ قطُّ، وراجع محض عقلِه، وراجع مصنفات خصومِهمُ الحافلة، كمصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

وأما من اعتقد فيهم التحقيق، وقَبِلَ منهم، ولم يسمع من غيرهم، فقد سدَّ أبواب الهداية على نفسه، وكذلك كل عامِّيٍّ مع كل طائفةٍ، بل المعتزليُّ الطالب لعلم الكلام على رأي أبي هاشم يعتقدُ غلطَ مخالِفِه (٤) من سائر المعتزلة، ولا يدري ما في كتب أبي الحسين المعتزلي وأصحابه من الردود الصعبة القوية لمذهب (٥) أبي هاشم، ولا يرى أجمع للمساوىء من صاحب كلامٍ وجدال، مقلّد لا يفي معه صمتُ (٦) أهل السنة وسَمْتُهم وحُسْنُ أخلاقهم وتواضعهم، ولا يتكلم بعلمٍ ويقينٍ، ويُرشِدُ إلى الحق الجاهلين، ويفيض مِنْ


(١) في (ش): يشاؤون.
(٢) " أرحم الراحمين " لم ترد في (ش).
(٣) في (ش): إلى أمثالها.
(٤) في (ب): مخالفيه.
(٥) في (ب): الردود على مذهب.
(٦) " معه صمت " ساقطة من (ب)، ومكانها بياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>