للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل نَفَوْا عن أنفسهم، لا عن ربِّهم جلَّ وعزَّ وتبارك وتعالى معرفة حقيقة الذات المقدسة، وما يتعلق بها على التفصيل، وأثبتوا المحارة (١) في ذلك بالنسبة إلى أنفسهم لقصور البشر عن إدراك ذلك (٢) الجلال الأعزِّ، وبُعدِ مَنْ صوَّره الله تعالى من التراب عن بلوغ الغاية القصوى في معرفة ربِّ الأرباب تصديقاً لقوله تعالى: {ولا يُحيطُونَ به علمَاً} [طه: ١١٠]، لا بالنسبة إلى علم الله تعالى المحيط الذي لا يجوزُ أن يدخُلَه نقصٌ، ولا وقفٌ، ولا حَيرة، ولا شُبهةٌ، ولذلك ذهبوا إلى أنه تعالى (٣) يعرف ذاته معرفة المفردات، وهي على الحقيقة المعرفة التامة.

وأما العباد، فإنما يعلمون نسبة الأسماء والنعوت إليها كنسبة الوجود وصفات الكمال، ولا يعرفون الذات التي نُسبَت (٤) إليها هذه الأمور، وذلك الذي يختص به العباد يُسمى علماً لا معرفة عند أهل اللغة وأهل المعقولات، لأن العلم يتعدَّى إلى مفعولين، كما تقول: علمت الله موجوداً عليماً قديراً، وأمَّا المعرفة، فلها مفعولٌ واحدٌ مفردٌ. ومذهبُ أهل الأثر في هذا هو المعروف عن عليٍّ كرَّم الله وجهه (٥)، وبه فسَّر ابن أبي الحديد -مع اعتزاله (٦) - قوله عليه السلام في وصف عزة (٧) الربِّ جل جلاله عن إدراك العقول لحقيقة ذاته، قال عليه السلام: " امتنع منها بها، وإليها حَاكَمَها ". أراد عليه السلام أن العقول عرفت قصورها عن دركِ حقيقة الذات المقدسة، وكان الامتناع من ذلك بالعقول، وإلى العقول حاكم العقول، شبَّه العقل (٨) بالخصم المدعي لما لا


(١) وفي (ش): المحاراة.
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) في (أ): " ذهبوا أن الله تعالى "، وفي (ش): " ذهبوا إلى أن الله تعالى ".
(٤) في (ش): تنسب.
(٥) في (ب): عليه السلام.
(٦) في (ب) اعترافه.
(٧) ساقطة من (ش).
(٨) في (أ): " شبهة العقل "، وفي (ب) و (ج): " شبه العقول "، وفي (ش): " حاكم العقول ".

<<  <  ج: ص:  >  >>