للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: ٤] من أدلِّ (١) شيءٍ على مباينة الرب تعالى لخلقه، فإنه لم (٢) يخلقهم في ذاته، بل خارج عن ذاته، ثم بان عنهم باستوائه على عرشه، وهو يعلم ما هُمْ عليه، ويراهم وينفذهم ببصره (٣)، ويُحِيطُ بهم علماً وإرادةً وقدرةً وسمعاً وبصراً. فهذا معنى قوله (٤) سبحانه: {هو مَعَهُم أينَمَا كانوا}، وتأمل حُسْنَ هذه المقالة لفظاً ومعنى، بين قوله تعالى: {لا تُدرِكُهُ الأبصارُ وهو يُدرِكُ الأبصَارَ} [الأنعام: ١٠٣]، فإنه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصارُ وتحيط به، ولِلُطفه وخبرته يدرك الأبصار، فلا تخفي عليه، فهو العظيم في لطفه، اللطيف في عظمته، العالي في قربه (٥)، القريب في عُلُوِّه، الذي ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. انتهى كلام الشيخ.

ومنهم من احتجَّ بهذه الآية من وجهٍ آخر: وهو أن النفي إذا وجِّه إلى الشمول، فهم منه مخالفةُ البعض، ولم يُفدِ النفي عن كلِّ فرد، كما إذا قلت: ما جاء القوم. ليس فيه نفي مجيء البعض، بل إذا قلت: ما جاء عشرة رجال، لم يكن فيه نفي مجيء التِّسعة. هذا لو لم يَرِدْ لهذا العموم مخصِّصٌ من الكتاب والسنة، فأمَّا بعد قولِه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢، ٢٣] وتواترُ الأحاديث في ذلك -كما سيأتي- فلا شك في أنها أبين مِنْ هذه الآية، وأخصُّ على جميع القواعد، ولذلك أجمعنا على ثبوت الشفاعة الخاصة في الآخرة مع قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ


(١) تحرفت في (أ) إلى: أدلة.
(٢) في (ب): " لو لم " وهو خطأ.
(٣) في " حادي الأرواح ": وينفذهم بصره.
(٤) في " حادي الأرواح " ص ٢٠٣: فهذا معنى كونه سبحانه معهم إينما كانوا.
(٥) تحرفت في (ش) إلى: قدرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>