للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث: أن نقول: إنه لا خلاف أنَّهم يحتاجون إلى دليلٍ قاطعٍ على منع هذا الاحتمال، وهو أن التمدُّح هنا راجع (١) إلى القدرة وكمال العزة، فإن رجعوا إلى الأدلة العقلية، فقد قدمنا الكلام فيها، ولم يزيدوا عليها (٢) هنا إلا دليلهم المعروف بأن الحواسَّ سليمةٌ، والمدرك موجودٌ، والموانع مرتفعة. وللأشعرية معارضاتٌ كثيرةٌ لذلك موجودةٌ في كتبهم الكلامية.

وأما أهل السنة، فَيُنَازِعُون في أن الموانع مرتفعةٌ لورود نصوص الكتاب والسنة بمنع الحجب من ذلك على الوجه الذي لا يحيط بعلمه إلاَّ الله تعالى، كما تقدَّم تقريره في كلام ابن تيمية في نفيهم للكيفية عن ذات الله تعالى. وكل ما يتعلَّق بها، وإن رجعوا إلى الأدلة السمعية في منع رجوع التمدح إلى القدرة، فهي عليهم، لا لهم، كما تقدَّم. وإنما احتجَّ في الشرح بأمرين:

أحدهما: أن هذا خلاف تفسير المفسِّرين، وهذا مردودٌ عليه (٣) ومُعَارضٌ بمثله وسيأتي ما في ذلك من تفاسير الصحابة والتابعين من نقل أئمة الحديث وراجعٌ إلى القطع بالنفي عند عدم العلم. وقد مرَّ بطلانه.

وأما قوله: إنه خلاف الظاهر، فليس في الظاهر ذكر العلم في ذلك، لا بالذات -كما زعمت المعتزلة- ولا بالقدرة، وإنما أُخِذَت هذه العلة في التمدح من ذكر الحجاب في نصوص الكتاب والسنة، ومن النص على (٤) أن الله تعالى تجلَّى للجبل، فجعله دكّاً، وجعل ذلك عقيب سؤال موسى موعظة لموسى وتسليةً، لأنه بذلك عرف أنه سأل ما لا يقدرُ عليه، وكذلك قوله: إنه تمدُّحٌ راجعٌ إلى ذاته، ليس من الظاهر في شيءٍ، وإنما هو عند الخصوم بأدلةٍ عقلية خارجةٍ.


(١) من قوله: " إنه لا خلاف " إلى هنا ساقط من (ج).
(٢) في (أ): " علمنا "، وهو خطأ.
(٣) في (أ): عليهم.
(٤) ساقطة من (ج).

<<  <  ج: ص:  >  >>